يُعتبر النفوذ الإماراتي مستحدَثاً في تونس، ويعود لمرحلة ما بعد إسقاط الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي فتح بوابة بناء نفوذ قوي للإمارات في تونس، حيث ركزت من خلاله على تحقيق اختراق في عدّة مستويات سيادية، مثل القصر الرئاسي، الذي وصل نفوذها فيه إلى درجة زرع خلايا تجسُّس على كبار شخصيات الدولة التونسية في عهد الرئيس الحالي قيس سعيّد ومن قبله. تُعَدّ الرياض والكويت أسبق في التدخل في تونس واصطناع نفوذ سياسي عَبْر بوابات اقتصادية دون اهتمام أو تركيز بشؤون تونس الداخلية، لكن نجاح الثورة في تونس وإسقاط الرئيس "بن علي" دفع الإمارات للتدخل ضِمن مخططها الكبير لدعم الثورات المضادة دون الاكتفاء بالدعم المالي، فتوجهت لاختراق مفاصل الدولة المختلفة لتحقيق أهدافها.
تؤكد معلومات خاصة حصلنا عليها في مركز دراسات الأمن الإفريقي في هذا الإطار أن الإمارات استفادت من علاقاتها مع إيران وفرنسا في بناء نفوذ متزايد في تونس، حيث تؤكد المصادر أنه جرى التنسيق مع الدولتين في قضايا تنشيط الجماعات الإرهابية وعمليات الاغتيال التي جرت في السنوات الماضية.
أدوات الاختراق الإماراتي
بحسب المعلومات فقد اتجهت الإمارات لتنظيم الثورة المضادة في تونس من خلال الاختراق الاجتماعي للعائلات السياسية المهمة في البلاد، إلى جانب استهداف تيارات اليسار التونسي، وصولاً لنجاح الإمارات في اختراق جهاز الإعلام التكتيكي ضِمن وحدة مكافحة الإرهاب في الحرس الوطني التونسي، بمساهمة من قِبل فرنسا وإيران، إلى جانب اختراق قيادات الأمن التونسي وقيادات الجيش بطرق غير مباشرة عَبْر التجنيد وشراء الولاءات وتمويل النقابات لاختراقها.
إثر ذلك بدأت الإمارات بإرسال رجالاتها الموكلين بمهام بناء علاقات أمنية خاصة إلى تونس، ومن بين مَن أكدت المصادر قدومه، القيادي الفلسطيني محمد دحلان، حيث زار تونس ثلاث مرات على الأقل، وأقام في جزيرة "جربة" للإشراف على الملفين التونسي والليبي، كما اتجه الدعم الإماراتي لإنجاح الرئيس الحالي قيس سعيّد في حملته وإيصاله للسلطة بالتنسيق مع حلفائهم، حيث تشير مصادر إلى صناعة شخصية قيس سعيّد فرنسياً وإيرانياً قبل سنوات من تقديمه مرشّحاً لرئاسة البلاد.
خلايا التجسُّس الإماراتية في القصر الرئاسي
عملت الإمارات على اختراق مختلف المستويات في أجهزة الدولة التونسية، خصوصاً في القصر الرئاسي، بهدف مراقبة مختلف التحركات في كواليسه لصالحها، وتحسباً لبروز أي تحرُّكات تهدد نفوذها حتى من قِبل حلفائها، لا سيما أن قيس سعيد -بحسب المصادر- ذو ولاء لإيران أكثر من ولائه للإمارات.
تؤكد مصادر أمنية لمركز دراسات الأمن الإفريقي أنه تم تفويض الإمارات بإدارة ملف تونس من قِبل مصر بعد انقلاب السيسي عام 2014، مما يستوجب الربط مع ما أشارت له المعلومات من وجود ضغط جزائري لمحاصرة النفوذ الإماراتي في تونس، حيث تعتبر كلٌّ من الجزائر ومصر بعضهما بعضاً خصماً ومنافساً للآخر، كما أن التنسيق بين القاهرة وأبو ظبي حول تونس كان عالي المستوى، ومن ضِمن هذا التنسيق نرى تحرُّكات "دحلان" في تونس بتفويض ودعم مصري، لتسهيل الاختراق الأمني والعسكري، كما كان التمويل الإماراتي المرصود لاختراق الأجهزة التونسية يمر عَبْر مصر.
وفي أواخر 2023 أكدت مصادر أمنية تونسية إيقاف خلية تنصت تابعة للإمارات في قلب قصر قرطاج في تونس العاصمة، حيث تختلف تقاطعات الحدث بين ضغط جزائري سبّب إيقافاً للخلية ومحاصرة بعض النفوذ الإماراتي في تونس، وبين ترجيح لوجود خلاف إماراتي تونسي حول بعض النقاط انعكس على عمل الخلية.
تداخُل الاحتمالات
يحمل كشف الخلية الإماراتية العاملة في قصر قرطاج أبعاداً متداخلة، فهو خُطوة قد تكون مدعومة من الرئيس قيس سعيد، مما يُعَدّ مؤشرًا على أن الفترة القادمة من حكمه ستحمل تغييرات محتملة تجاه النفوذ الإماراتي بالتوازي مع بعض التحرُّكات داخلياً وخارجياً.
من المؤكد أن كشف الخلية الإماراتية سيزيد من الشكوك الإماراتية في قيس سعيد نفسه، وربما ينسحب الأمر على بقية حلفائها في تونس، وبالتالي يمكن النظر للخُطوة بوصفها مقدِّمة لحصار النفوذ الإماراتي في تونس، بما يعيد رسم التوازُنات مرة أخرى، كما أنها ستبحث عن حلول لما يكتسي بعض القطاعات التونسية الداخلية من غضب تجاه النفوذ الإماراتي، وبالتالي فإنه من المحتمل أن تستغلّ الإمارات هذه التغيُّرات لإعادة تصحيح وضعها.
من المرجَّح أن الإمارات لن تهمل الغضب الجزائري من نفوذها داخل تونس، وأنها ستأخذ بعين الاعتبار ما أكدته مصادر عديدة من أن السعودية قد طلبت تحجيم دور الإمارات في الجزائر مقابل تقديم دعم اقتصادي يعادل أربعة أضعاف استثمارات الإمارات فيها.