شنّت القوات المسلحة السودانية في 26 أيلول/ سبتمبر 2024 هجوماً واسعاً على مواقع قوات الدعم السريع في الجانب الشرقي من نهر النيل وفي الضفة الغربية منه في مدينة أم درمان، وخلال عدة أيام سيطر الجيش السوداني على عدد من الجسور الإستراتيجية مثل جسر الحلفايا وجسرَي النيل الأبيض وجسر الإنقاذ، مما سمح له بالتنقل بحرية إلى أم درمان بعد أن كان قد فقد السيطرة على نصف المدينة الجنوبي لما يقارب عاماً كاملاً، وتمكن الجيش من فكّ الحصار عن قواته المحاصَرة في نصفها الشمالي.
تشير معلومات خاصة بمركز دراسات الأمن الإفريقي إلى أن إيران زوّدت قيادة الجيش بنحو 5 طائرات من طراز "مهاجر6" لأغراض الاستطلاع والاستهداف الدقيق مطلع عام 2024، مما كان له أثر في توسع سيطرة الجيش، وعرضت إيران على رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان تقديم دعم "غير محدود" من الطائرات الإيرانية المسيَّرة بأنواع عديدة والذخائر والمروحيات العسكرية مقابل منحها امتيازات لإنشاء قاعدة بحرية في منطقة بورتسودان على البحر الأحمر، إلا أن البرهان رفض العرض الإيراني بهدف طمأنة كل من السعودية ومصر بعدم السماح لإيران في تهديد أمنهم القومي في منطقة البحر الأحمر انطلاقاً من أراضيها، وعدم المشاركة في تعزيز قدرة "محور المقاومة" الذي تترأسه إيران في استهداف خطوط الشحن الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن.
مستقبل المعارك في السودان
استطاعت قوات الدعم السريع منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2023 السيطرة على أجزاء مختلفة من السودان، مثل جنوبي الخرطوم ودارفور وكردفان، والفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إلا أن الجيش السوداني بدءاً من شباط/ فبراير 2024 استعاد زمام المبادرة وبدأ استهداف قوافل الإمداد التابعة للدعم السريع في مناطق مختلفة من البلاد باستخدام الطائرات الإيرانية المسيرة والطائرات التركية التي منحته إياها مصر.
مع قرب انتهاء موسم الأمطار تصاعدت تحرُّكات الجيش ضدّ الدعم السريع، فأطلق عمليته العسكرية في الخرطوم ثم توسعت لتشمل أم درمان وولايتَيْ سنار والجزيرة وصولاً إلى شمال دارفور وغربها، وكان من إنجازات الجيش فيها سيطرته مطلع تشرين الأول/ أكتوبر على سلسلة جبال موية في ولاية سنار على بُعد 296 كم جنوب الخرطوم، وهذه الجبال تربط كلّاً من ولايات سنار والنيل الأبيض والجزيرة والنيل الأزرق، وتفتح الطريق نحو ولاية شمال كردفان وإقليم دارفور غرباً.
سيطر الجيش أيضاً على منطقة المقرن وسط الخرطوم، بما في ذلك استعادة مقر البنك المركزي السوداني، واقترب من منطقة السوق العربي، وبالتالي فإن الجيش بات قريباً من الوصول إلى القصر الجمهوري في الخرطوم.
من المرجَّح أن هذه العمليات التي يشرف عليها البرهان ونائبه شمس الدين الكباشي ستعزز من الموقف التفاوضيّ للمجلس السياديّ ضدّ الدعم السريع، وذلك في إطار مساعي الولايات المتحدة لاستئناف محادثات السلام بين الطرفين منذ آب/ أغسطس 2024، بعد انتهاء المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية دون اتفاق نهاية عام 2023.
بالرغم من قبول الجيش الجلوس مرة أخرى على طاولة المفاوضات، إلا أنه يسعى لاستكمال العمل العسكري في الميدان، وذلك لتحقيق المزيد من المكاسب على الطرفين، فمن المرجّح أن قيادة الجيش ترى في الأسلحة الجديدة وعملها على إعادة تنظيم صفوف المقاتلين السودانيين فرصة ستمكّنها من تحويل مسار الأمور وتحقيق نصر عسكري على قوات الدعم العسكري في نهاية المطاف.