تُعَدّ النيجر سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، ولديها العديد من مناجم اليورانيوم؛ أبرزها منجم "إيموارين" الذي تشغّل عمليات تعدين اليورانيوم فيه شركة أورانو المملوكة للجمهورية الفرنسية، يقدّم المنجم ما يزيد عن 2000 طنٍّ من اليورانيوم سنويّاً، وهو ما يمثّل نحو 5% من إنتاج اليورانيوم عالميّاً، كما تعتمد فرنسا على هذا المنجم بنسبة 20% من اليورانيوم الذي تحتاجه لتشغيل منشآتها النووية، وقد ازدادت هذه النسبة بعد حظر الولايات المتحدة التعامل مع روسيا في إبريل 2024، وقد استورد الاتحاد الأوروبي من النيجر 25.4% من احتياجاته من اليورانيوم بواقع 2975 طناً في عام 2022.
بتاريخ 19 يونيو 2024 ألغت النيجر تراخيص شركة أورانو الفرنسية العاملة في قطاع تعدين اليورانيوم، والمملوكة للدولة الفرنسية، وذلك إثر سلسلة من الإنذارات ضدّ الشركة، عقب القرار توجهت قوة من الجيش النيجري إلى منجم "إيموارين" في منطقة أغاديز شمال النيجر، وطلبت من العمال إخلاء الموقع، كما طلبت من عدة شركات دولية أخرى -كندية وأسترالية- إيقاف عملها في غضون ثلاثة أشهر تمهيداً لإلغاء تصاريح العمل المرتبطة بها.
طلبت الشركة الفرنسية من شخصيات نيجرية سياسية واجتماعية الوساطة مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجنرال عبد الرحمن تشياني للتفاوض حول إعادة منحها تصريح عمل جديد، إلا أن الرئيس رفض أي لقاء مع ممثلي الشركة، مما دفعها للضغط على رئيس الوزراء علي الأمين الزين، -علي لامين زين- لاستئناف العمل في الموقع، إلا أن رئيس الوزراء رفض الرضوخ لضغوط الشركة، وأمر القوات النيجرية بتكثيف حراسة المنجم ومنع عمال الشركة من الدخول إلى الموقع.
تدفع هذه الخُطوات الشركة للانسحاب نهائيّاً من البلاد في حال لم تستصدر تصاريح عمل جديدة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إلغاء التصريح الأول، وبالرغم من ذلك فقد أعلنت الشركة عدة مواعيد متتالية للعودة إلى المنجم، كان آخِرها نهاية يونيو 2024 إلا أنها لم تفلح في الدخول إليه أيضاً.
ماذا وراء هذه الخُطوة؟
من المرجَّح أن روسيا تسعى للسيطرة على أعمال التعدين في قطاع اليورانيوم في النيجر، وذلك لتعزيز قدراتها النووية والهيمنة بشكل متزايد على سوق اليورانيوم، مما يعزز اقتصادها، ويدفع الدول الأوروبية التي خفضت مشترياتها أو أوقفتها من اليورانيوم الروسي للجوء إلى روسيا مرة أخرى بعد فقدان فرنسا لواحد من أهم موارد اليورانيوم لديها.
أشارت مصادر خاصة لمركز دراسات الأمن الإفريقي إلى وصول وفد من شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة الروسية "روساتوم" إلى النيجر مطلع يونيو 2024 ، وكان نائب وزير الدفاع الروسي "يونس بك يفكوروف" رئيساً للوفد الذي بحث مع المجلس العسكري اتفاقية تسليم مناجم اليورانيوم التي تشغّلها شركة أورانو إليها.
تنصّ المعلومات على إمكان منح روسيا هبة للنيجر، ما يمكِّنها من تسديد الديون اللازمة التي تخلفت عن سدادها في 2023 وتقدّر بـ 520 مليون دولار أمريكي، إلى جانب حصول المجلس العسكري على دعم اقتصادي وعسكري ضد التنظيمات الجهادية وتعزيز الأمن في البلاد، ويقضي الاتفاق بتشغيل المنجم لمدة 25 سنة بوارد مادّي يُقدَّر بـ 70% من مجمل إنتاج المنجم سنويّاً، فيما يذهب الباقي للشركة الروسية التي ستشغله.
تسعى روسيا من خلال هذه الخُطوة إلى تأمين موارد إضافية من اليورانيوم، مما يتيح لها مضاعفة التصدير لأسواق جديدة، إلى جانب هيمنة روسيا على سوق الطاقة النووية في العالم من خلال السيطرة على أهم موارد اليورانيوم في إفريقيا خاصة بعد عقدها العديد من الصفقات لبناء محطات نووية للأغراض السلمية في عدة دول -من بينها تركيا- مما يزيد من كفاءتها في العمل في توريد وقود اليورانيوم الذي تحتاجه تلك المحطات للعمل.
سيناريوهات واقعية
بعد تراجُع الاقتصاد النيجري وخفض ميزانية البلاد عام 2024 بنسبة 40% عن عام 2023، والخلاف مع بنين التي أوقفت تصدير النفط النيجري عَبْر الأنابيب التي بنتها شركة مملوكة للدولة الصينية رغم تلقيها مقدماً مبلغ 400 مليون دولار حصتها من مبيعات النفط المستقبلية من خلال خط الأنابيب الذي بنته الصين حديثاً في النيجر وبنين، تجد الدولة نفسها مضطرة للتعامل مع روسيا في مجال تعدين اليورانيوم.
لقد أدى تصاعُد التدهور في الوضع الاقتصادي إلى تضخُّم أسعار المواد الغذائية، ووصلت نسبة القابعين تحت خطّ الفقر إلى 55% من عدد السكان، أي نحو 14 مليوناً من مجمل عدد السكان، وإلى جانب هذه التحديات الاقتصادية يجد المجلس العسكري نفسه أمام تهديدات أمنية متزايدة، حيث كثفت ولاية الساحل وولاية غرب إفريقيا في تنظيم الدولة وجبهة نصرة الإسلام والمسلمين المبايعة للقاعدة من هجماتهما على عمق الأراضي النيجرية قرب مالي ونيجيريا.
للخروج من هذا المأزق عقد المجلس العسكري في ديسمبر 2023 اتفاقات سرية مع إيران لمنحها كميات كبيرة من اليورانيوم مقابل مدّها بأسلحة متطورة من البنادق والطائرات المسيرة والصواريخ.
من المرجَّح أن المجلس العسكري النيجري سيزيد من التعاون مع روسيا في مختلف المجالات، خاصة مجال التعاون في قطاع تعدين اليورانيوم، من خلال منحها حقّ تشغيل مناجم اليورانيوم لديها، خاصة منجم "أرليت" الذي تُعَدّ احتياطياته أكبر احتياطيات يورانيوم في النيجر بواقع 48 مليون طن من خام اليورانيوم، وذلك للتخلص -قدر الإمكان- من الآثار السلبية الاقتصادية، ومواجهة المخاطر الأمنية المتفاقمة، فهل تستطيع روسيا تحقيق هذه المتطلبات؟