مطلع كانون الثاني/ يناير 2024 حاولت مجموعة من الضباط المقربين من فرنسا اغتيال رئيس المجلس العسكري الانتقالي في البلاد النقيب "إبراهيم تراوري" بحسب مصدر مقرَّب من قيادة الجيش البوركينابي، إلا أن عملية أمنية أفشلت خطة الاغتيال، وقامت باعتقال الضباط المتورطين بالعملية.
تشير المعلومات إلى أن سبب فشل العملية المباشر يعود لإبلاغ جهاز المخابرات الروسية الخارجية المجلسَ العسكري في بوركينا فاسو بالمخطّط وأسماء المتورطين به قبل ساعات من تنفيذه، حيث تقضي العملية باستهداف موكب الرئيس تراوري في العاصمة واغادوغو بعبوة ناسفة ثم الهجوم على سيارته بالأسلحة الرشاشة.
لماذا أبلغت روسيا بخطة الاغتيال؟
أعلنت السلطات البوركينابية خلال عام 2023 عن إحباطها عدة محاولات انقلاب ضد المجلس العسكري الانتقالي في البلاد، مشيرة إلى أن هذه المحاولات تُقاد من قِبل ضباط يرتبطون بالمصالح الفرنسية.
يلفت النظر إلى أن أهم محاولتَي انقلاب جاءتَا في أوقات متقاربة، في آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، حيث اعتقل إثرها ما لا يقل عن 10 ضباط من مختلف الرتب عملوا على تحديد مواقع تحرُّكات الرئيس الانتقالي والتخطيط لاغتياله وإعلان انقلاب عسكري ضد المجلس الانتقالي الحالي.
في هذا السياق، جاء التعاون بين روسيا وبوركينا فاسو بهدف توطيد علاقاتها مع النقيب "تراوري" حيث تسعى روسيا لترسيخ وجودها في دول الساحل -غرب إفريقيا- التي شهدت انقلابات مدعومة من أطراف معادية لفرنسا خلال الأعوام الأخيرة.
استغلت روسيا هذه المحاولة لعقد اتفاقية أمنية مع بوركينا فاسو تقضي بنشر 300 جندي من القوات الروسية الخاصة في قاعدة عسكرية -خاصة بها- قرب مطار العاصمة واغادوغو، على أن تنحصر مهمة القوات الروسية بجانبين، أولهما: تشكيل قوة حرس رئاسيّ بهدف مرافقة الرئيس الانتقالي "تراوري" وحمايته، وثانيهما: الإشراف على تدريب بعض الفرق العسكرية في الجيش البوركينابي.
في هذا السياق، يجدر أن الدفعة الأولى من القوات الروسية التي يُقدّر عددها بـ 100 جندي روسي قد استقرت بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير 2024 في قاعدة خاصة انتهت روسيا من بنائها داخل المطار أواخر 2023.
تسعى روسيا من خلال هذه الاتفاقية -مع خطوات أخرى مع دول غرب إفريقيا- إلى تحويل الفيلق الروسي الإفريقي إلى أمر واقع، حيث سيكون حضور هذا الفيلق بداية لتوسيع التعاون العسكري بشكل أكبر بين دول المنطقة.
خلفيات أخرى للتعاون مع روسيا!
يُعَدّ التعاون بين المخابرات الروسية والسلطات الحالية في بوركينا فاسو في إحباط محاولة اغتيال تراوري مؤشراً على مستوى العلاقات بين البلدين، ورغبة روسيا في توسيع نفوذها الأمني والعسكري في القارة، من خلال تقديم خدمات أمنية للرؤساء والأنظمة الرافضة للنفوذ الفرنسي من جهة، ودعمها في حملاتها العسكرية والأمنية ضد الجماعات الجهادية في المنطقة من جهة أخرى، كما أن الاتفاق سيوفر للجانب الروسي فرصة لضبط أنشطة ميليشيا فاغنر في القارة الإفريقية عَبْر متابعتها عن قرب وشرعنة وجودها تحت لواء الفيلق الروسي الإفريقي، حيث يحتمل أن يتوسع هذا الفيلق ليتمدد في أنشطته إلى دول إفريقية أخرى.
تشير معلومات خاصة -في هذا السياق- إلى أن روسيا حاولت عام 2022 مع الرئاسة الموريتانية عقد اتفاق يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية في ولاية الحوض الشرقي، لتكون داعمة لمواقع نفوذها في دول الساحل إلا أن الرئيس الغزواني لم يُبدِ اهتماماً في المضيّ قُدمًا بالمشروع، مما دفع روسيا لدعم مالي في هجماتها المستمرة على الحدود الموريتانية الماليّة منذ آب/ أغسطس 2023.
من المحتمل أن اتفاق إنشاء قاعدة عسكرية روسية في العاصمة البوركينابية يأتي للموازنة مع اتفاق شبيه مع الجانب التركي، مما يتيح لبوركينا فاسو الاستفادة من الخدمات الأمنية المقدمة من الطرفين، بالتوازي مع رغبتها في عدم حصر خياراتها في جهة واحدة، الأمر الذي قد يتطور لعقد اتفاق تعاوُن مستقبلي شبيه مع الصين.