في كانون الأول/ ديسمبر 2023 بدأت عمليات تنظيم الدولة في عدة دول إفريقية تأخذ طابعاً مختلفاً من حيث القوة ونوعية الأسلحة المستخدَمة وآلية التنفيذ، وقد برزت هذه التغيُّرات في كل من الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وبوركينا فاسو ومالي وموزمبيق على وجه الخصوص، واستمرّت على هذا النمط على مدار الشهور المنصرمة من عام 2024، مما يستوجب الوقوف عند السبب الأهم الذي أدى لتطوُّر تكتيكات التنظيم في عموم إفريقيا؟
انتقال الخبرات
ذكرت مصادر خاصة لمركز دراسات الأمن الإفريقي انتقال عدد من الخبرات القيادية وكوادر تنظيم الدولة من سورية والعراق إلى عدة دول في إفريقيا، عَبْر اليمن إلى الصومال ثم إلى مناطق وسط إفريقيا (الكونغو الديمقراطية) من جهة وعَبْر ليبيا إلى عدة وجهات، كتشاد والنيجر ومالي عَبْر الجزائر، وقد ضمت كوادر عسكرية وأمنية وشرعية وخبرات في تصنيع المتفجرات وتفخيخ العربات.
تشير المعلومات إلى أن التنظيم أرسل إلى موزمبيق نحو 15 كادراً من قياداتٍ أمنية وشرعية وعسكرية، على رأسها الشرعي أبو حذيفة المهاجر -ليبي الجنسية مجهول الاسم- بوصفه قاضياً شرعيّاً وقائداً عسكريّاً للتنظيم في موزمبيق وهو ممن انخرط في تأسيس كتيبة البتار الليبية في سورية، ثم انتقل إلى ليبيا عام 2015 ، وبقي فيها إلى أواخر 2023 حيث انتقل من جنوب ليبيا مع القيادات الجديدة القادمة من عدة دول كالعراق وسورية لوضع خطة عامة لتطوير عمليات التنظيم وهيكليته في إفريقيا، وتم اختياره ليكون مسؤولاً شرعيّاً وعسكريّاً عن التنظيم في موزمبيق، ويبدو أن التوسع الأخير في مقاطعة كابوديلغادو شمال شرق موزمبيق مرتبط بالدرجة الأولى بالتعليمات العسكرية والخُطَط التي رسمها مع فريقه الذي جاء معه إلى المنطقة.
برزت منطقة ميناكا في مالي كنقطة هيمنة وتصعيد ثانية في إفريقيا عموماً، حيث عمل والي داعش في ولاية الساحل أبو محمد الصحراوي -نتحفَّظ على ذكر اسمه الحقيقي- منذ تموز/ يوليو 2023 على استقدام خبرات معينة وإعادة توزيعها غرب دول الساحل، وإرسال بعض المندوبين إلى نيجيريا التي شهدت تطوُّراً في العمليات الانتحارية وتفخيخ السيارات وصناعة العبوات الناسفة.
تؤكد المعلومات الخاصة التي وردت لمركز دراسات الأمن الإفريقي افتتاح ورشات لتصنيع العبوات والأحزمة الناسفة وقذائف الهاون ودورات تدريبية في كلٍّ من: غابات سامبيسا في نيجيريا، وميناكا في مالي، وتيلابيري في النيجر، ويتم تأسيس ورشات لتصنيع هذه المواد العسكرية في منطقة ماكوميا في كابوديلغادو الخاضعة بشكل شِبه كامل لداعش، علماً أن معظم المشرفين على هذه الورشات هم سوريون وعراقيون وليبيون انتسبوا للتنظيم بين عامَيْ 2012 و 2016 في سورية والعراق وليبيا.
أهداف التصنيع العسكري
في الدرجة الأولى يتم التركيز حاليّاً على صناعة العبوات الناسفة في المناطق المشار إليها لاستخدامها في استهداف قوات خصوم التنظيم العسكرية، وبالرغم من أن هذه الورشات تصنّع العبوات وقذائف الهاون، إلا أنه من المرجَّح أن تكون منخفضة النوعية من حيث الإمكانيات والتكنولوجيا المستخدَمة -حتى الآن- ولكنها تُشكل تهديداً أمنياً نظراً لقدرتها على إنتاج سيارات مفخخة وعبوات ناسفة شديدة التأثير على العمليات ضدّ الجيوش في المنطقة.
يهدف التنظيم من نشر عدد من ورشات التصنيع إلى بناء وجود مستدام له في المنطقة، حيث سيعمد إلى تطوير هذه المنتَجات من جهة، وتخزين أعداد كبيرة منها في مناطق سرية يجري إعدادها من جهة أخرى، وبالتالي يمكن أن تتحول هذه المواد إلى مخزونات إستراتيجية يعتمد عليها التنظيم في إطالة أمد وجوده في حال تعرّض لنكسات أمنية أو عسكرية مستقبلية، وبالتوازي مع ذلك فإن التنظيم سيسعى لاستخدام جزء كبير من منتَجات هذه الورشات لتوسيع نطاق استهداف القوات النظامية والأمنية والمجموعات المسلحة الموالية لها، وبالتالي توسيع نطاق العمليات والسيطرة.
من المؤكد أن التنظيم لن يقف عند إنتاج الأسلحة من حيث الكمّ والنوع على المستوى الحالي، بل سيسعى لإنتاج أسلحة متقدمة مقارَنةً بما كان عليه الحال في سورية والعراق، حيث توفر مناطق سيطرته الواسعة في إفريقيا الموارد المالية واللوجستية اللازمة لذلك، في ظل الهشاشة الأمنية والصراعات العِرْقية والوضع الاقتصادي المتفاقم الذي يدفع مزيداً من الشباب للانضمام إلى الجماعات الجهادية بحثاً عن أي مصدر للدخل أو تلبية لطموحات شخصية وأيديولوجية.
من المؤكَّد أن تجارب تنظيم الدولة الإسلامية في مجالات تصنيع الأسلحة في سورية والعراق قد تتطور على نحو أوسع في إفريقيا، كالبَدْء باستخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية وتطويرها، إلى جانب احتمال سعيه لامتلاك منظومات أسلحة شديدة السمّية والتأثير، مما يُنذر بتصاعُد التهديدات الأمنية في القارة خلال الأعوام القليلة القادمة.