دوافع الولايات المتحدة للانسحاب العسكري من النيجر

  • الرئيسية
  • دوافع الولايات المتحدة للانسحاب العسكري من النيجر
Cass Banener Image
دوافع الولايات المتحدة للانسحاب العسكري من النيجر

دوافع الولايات المتحدة للانسحاب العسكري من النيجر

تُعَدّ النيجر قبل الانقلاب على محمد بازوم في تموز/ يوليو 2023 واحدة من أهم المواقع الإفريقية الشريكة أمنيّاً وعسكريّاً للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث امتلكت الولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين، إحداهما القاعدة 201، التي تعرَف بأنها أهم قاعدة جوية للولايات المتحدة في منطقة غرب إفريقيا، نظراً لقيام القوات فيها بشكل مستمر بطلعات جوية لجمع المعلومات عن التنظيمات الجهادية وعصابات التهريب والجريمة المنظمة جنوبي الصحراء الكبرى، كما ضمّت نحو 1100 جندي أمريكي من القوات الخاصة التي تولّت مهام تدريبية لجيش النيجر.  

بالرغم من وقوع الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2023 إلا أن الولايات المتحدة تعاملت مع الانقلاب العسكري برويّة، فلم تصفه بالانقلاب بداية، ومع إصرار المجلس العسكري النيجري على الاستمرار بالانقلاب، علّق الكونغرس المساعدات الإنسانية دون المساس بالمساعدات والاتفاقات العسكرية، ورفضت قطع مجموعة إيكواس العلاقات مع النيجر وإعلان حصارها أو التدخل العسكري فيها، إلى جانب إيفادها سفيراً إلى النيجر دون تسليم أوراق اعتماده للمجلس العسكري؛ في محاولة للتوازُن بين عدم الاعتراف بشرعية المجلس العسكري من جهة، مع عدم قطع العلاقات بشكل نهائي من جهة ثانية.  

في 16 آذار/ مارس 2024 أعلن المجلس العسكري في النيجر اتفاقيات التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، إثر اجتماعات ولقاءات عديدة أجراها وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في وقائد القيادة الأمريكية في إفريقيا الجنرال مايكل لانجلي على مدار يومَيْ 12 و13 آذار/ مارس.  

كان من اللافت في سياق الاجتماعات رفضُ رئيس المجلس العسكري النيجري الجنرال عبد الرحمن تشياني مقابلة الوفد الأمريكي، وبالرغم من ذلك، مدّد الوفد إقامته حتى 14 آذار/ مارس بهدف القيام بتعديلات على اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين، إلا أن النيجر وصل في نهاية المطاف لإبلاغ الولايات المتحدة بضرورة مغادرة القوات الأمريكية البلاد وإنهاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية "لانتهاكه القواعد الدستورية والديمقراطية في النيجر".  

خلفيات القرار النيجري؟  

عزّزت النيجر علاقاتها العسكرية والسياسية مع بوركينا فاسو ومالي المحاذيتين لها من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى، مما جعل النفوذ الروسي والإيراني في مواجهة نفوذ الدول الأوروبية والولايات المتحدة غرب إفريقيا، وبالتالي تصاعدت المخاوف من إمكان روسيا وإيران تهديد مصالح الدول الغربية في تلك الدول، كما تحولت النيجر إلى ساحة منافسة بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط كالسعودية وإيران؛ حيث تمتلك طهران علاقات قوية مع جميع الحكومات النيجرية السابقة، بالرغم من ضعف مشاريعها الداعمة للنيجر مقارنةً بما تقوم به المؤسسات السعودية.  

استغلت إيران دعمها للأقلية الشيعية في النيجر بهدف نشر التشيُّع وتأسيس منصات متعددة لبناء علاقات قوية داخل مؤسسات الدولة النيجرية، وقد تريثت في إعلان موقفها من انقلاب الجنرال عبد الرحمن تشياني بداية، إلا أنها استضافت لاحقاً ممثلين عن الانقلاب وبدأت تعمل على توطيد العلاقة معهم بوسائل شتى، من خلال وعدهم بتقديم مساعدات مالية عاجلة، ومساعدتهم في نَيْل الاعتراف الروسي، ودعمهم عسكرياً كما تؤكد مصادرنا الخاصة.  

بحث المجلس العسكري النيجري تشكيل وفد لزيارة إيران بهدف التباحث معها ومنحها استثمارات ضخمة داخل النيجر في عدة مجالات، أهمها اليورانيوم، مما جعل السعودية -على وجه الخصوص- ترفع من نبرة التهديد بقطع المساعدات عن النيجر، بهدف إبعاد النيجر عن التعاون مع إيران، كما صعّدت وسائل إعلامية مقربة من المملكة الدعوات لتعزيز النظام الديمقراطي في دول غرب إفريقيا.  

في هذه الأثناء كان العسكر في النيجر يواصلون بناء العلاقات الأمنية والعسكرية مع روسيا وإيران، حيث تشير مصادرنا الخاصة إلى التوافُق بين النيجر وروسيا على تحويل القاعدة 201 كمقر لقيادة الفيلق الإفريقي التابع للجيش الروسي -تحت مظلة فاغنر- بعد إخراج الولايات المتحدة منها، فمن المؤكد أن امتلاك روسيا في النيجر قاعدة عسكرية تتمركز فيها قواتها سيهيّئ لأرضية قانونية واتفاقية رسمية مع المجلس العسكري، مما يمكّنها من المراقبة وجمع المعلومات حول التهديدات الجهادية المحتملة وغيرها، وبالتالي قد يكون لروسيا طائرات بدون طيار قريباً في النيجر بديلاً عن الطائرات الأمريكية المسيّرة.  

في الإطار ذاته، فإن روسيا ستستطيع -عَبْر تمركز ميليشياتها في النيجر- تهديد أوروبا بشكل متزايد عَبْر دعم موجات الهجرة غير النظامية، وذلك من خلال تسهيل روسيا طرق العبور لعصابات تهريب المهاجرين عَبْر الصحراء بهدف زيادة تدفُّقات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا وبالتالي تصعيد التهديد المباشر لدول أوروبا عموماً وجنوبها خصوصاً، كما من شأنه أن يعزّز الشبكات اللوجستية لروسيا في إفريقيا، ويسمح لها بالتمركز داخل شبكة الاقتصاد المحلي لتهريب المهاجرين، مما يزيد من موارد ميليشياتها في المنطقة.  

إلى جانب ذلك، فقد زار أواخر كانون الثاني/ يناير 2024 رئيس الوزراء النيجري إيران، ووقع عدة اتفاقيات معها، بعضها ما زال سرياً حتى الآن، إلا أن المخاوف تنصبّ على وجود اتفاق بين الطرفين يسمح لإيران بالتنقيب عن اليورانيوم في مناطق سرية داخل النيجر.  

ماذا بعد التوافُق على الانسحاب الأمريكي؟  

بالرغم من عدم الوصول لتوافُق نهائي حول انسحاب قوات الولايات المتحدة من النيجر، إلا أن جميع المؤشرات تُظهِر حتمية هذا المسار، وبالتالي فإن انعكاساته على المنطقة ستكون متنوعة ومتعددة.  

من المؤكد أن الانسحاب الأمريكي من النيجر سيُضعِف قُدرات الولايات المتحدة والدول الأوروبية على جمع المعلومات حول التنظيمات الجهادية وضعفها في مكافحتها ومنعها من التمدُّد، وبالتالي تصاعُد نفوذ هذه الجماعات وتهديدها للنفوذ الحيوي والداخلي لأوروبا في شمال إفريقيا وغربها.  

إلى جانب ذلك، فإن الولايات المتحدة ستدرس نقل قواعدها من النيجر إلى خيارات بديلة في الجنوب الغربي من القارة، كبنين وتوغو وغانا وغينيا وساحل العاج، إلا أن هذه الخيارات تفتقر إلى البِنْية العسكرية التحتية التي أنشأتها الولايات المتحدة في النيجر، كما أنها تعاني من عدم انضباط الحدود وتهديد التنظيمات الجهادية في دول الساحل لها باستمرار.  

سيؤدي قطع النيجر لعلاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على منع النيجر من التعاون مع إيران، بما في ذلك توفيرها اليورانيوم لها، حيث كان الرئيس السابق محمد بازوم موافقاً لسياسة الولايات المتحدة في عدم بيع اليورانيوم لإيران أو لوسطاء يمكنهم تسريبه إليها، إلا أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر الآن لا يُخفي استعداده للتعاون مع إيران في شتى المجالات، وبالتأكيد لن يكون اليورانيوم استثناءً منها.  

   



مواد ذات صلة
لقاء ليبي ثلاثي في القاهرة
منافسة الجماعات الجهادية و"فاغنر" على مناجم الذهب ومناطق النفوذ