داعش تصعّد هجماتها ضدّ المدنيين في الكونغو

  • الرئيسية
  • داعش تصعّد هجماتها ضدّ المدنيين في الكونغو
Cass Banener Image
داعش تصعّد هجماتها ضدّ المدنيين في الكونغو

داعش تصعّد هجماتها ضدّ المدنيين في الكونغو


بتاريخ 20 حزيران/ يونيو 2024 قامت قوات من تنظيم الدولة بتصفية 22 مدنيّاً نحراً في قرية باماندي في منطقة إيتوري شرقي جمهورية الكونغو، وكانت قد سبقت هذه العمليات أكثر من 130 عملية تصفية لمدنيين من أبناء الديانة المسيحية في المنطقة راح ضحيتها ما لا يقل عن 800 مدني منذ مطلع 2024 في ارتفاع واضح لمؤشر العنف وعدد الضحايا جراء عمليات التنظيم ضد المدنيين، ولعل أكثر العمليات دموية التي نفذها التنظيم في الآونة الأخيرة في الكونغو بتصفية 60 مدنياً نحراً في قرية ماسالا في منطقة بيني، حيث أعقبها حرق القرية بشكل كامل.


تسبَّبت هجمات تنظيم الدولة منذ عام 2020 في مناطق إقليمَيْ كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية بنزوح مئات آلاف المدنيين، منهم نحو 60 ألف مدني خلال شهور نيسان/ إبريل وأيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2024، حيث بات تنظيم الدولة -ولاية وسط إفريقيا- يسيطر على مساحات واسعة في إقليمَيْ كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية في مناطق بيني وإيتوري ولوبير على وجه التحديد. 

كيف ظهر تنظيم الدولة في الكونغو الديمقراطية؟

يرتكز حضور تنظيم الدولة وسط إفريقيا بشكل أساسي على "القوات الديمقراطية المتحالفة" المعروفة اختصاراً باسم "قوات التحالف" في الكونغو، والتي تشكّلت عام 1995 بهدف الإطاحة بالنظام السياسي في أوغندا، إلا أنها إثر عمليات عسكرية مستمرة ضدها دفعت عناصرها للانتقال إلى شرقي الكونغو والتمركز في مناطق معزولة في بيني وإيتوري في إقليمَيْ كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية. 

بايعت قوات التحالف في الكونغو تنظيم داعش بشكل علني عام 2018، وقد حوّل التنظيم مسمى قوات التحالف إلى "ولاية تنظيم الدولة الإسلامية في وسط إفريقيا"، إلا أن البيعة الأساسية أُخِذت في عام 2016، وتم توثيق أول حوالة مالية -تُقدَّر بنحو مئتَيْ ألف دولار- عَبْر سهيل سالم عبد الرحمن المعروف بلقب "بلال السوداني" -الذي اغتالته الولايات المتحدة في كانون الثاني/ يناير 2023- وذلك في تموز/ يوليو 2017.

يقود فرع التنظيم في أوغندا القيادي السابق في قوات التحالف محمد علي نكالوبو وهو نائب قائد قوات التحالف سيكا موسى بالوكو الذي عيّنه تنظيم الدولة والياً على ولاية "وسط إفريقيا" ويُعَدّ هذان الشخصان مسؤوليْنِ مباشريْنِ عن ترسيخ حضور داعش في مناطق غربي أوغندا مثل مقاطعة كاسيسي ومحمية الملكة إليزابيث الوطنية التابعة لمقاطعة كيسيني قرب الحدود مع الكونغو، ومناطق بيني، وإيتوري، ولوبير، في إقليمَيْ شمال كيفو، وجنوب كيفو، وتعود نقطة القوة الأساسية للتنظيم في المنطقة إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2020 حيث استطاع اقتحام سجن كانغباي في مقاطعة بيني، مما أدى إلى هروب أكثر من 1300 سجين معظمهم من العناصر السلفية، وقد انضم جميعهم للتنظيم لاحقاً، إلى جانب دعمه بالكوادر الإدارية والعسكرية من قِبل قيادة التنظيم في العراق وسورية خلال عام 2023 بإرسال قضاة وشرعيين ومدربين عسكريين من ليبيا واليمن والعراق وسورية ودول الساحل إلى المنطقة لوضع الخطط الإستراتيجية اللازمة لتمكينه وتوسيع مناطق سيطرته في المنطقة.

الهجمات ضد المدنيين.. الآلية والهدف

تصاعدت هجمات داعش -ولاية وسط إفريقيا- ضد المدنيين -النصارى- في الكونغو منذ كانون الثاني/ يناير 2018 واستمرت تتصاعد على نحو تدريجي حتى وصلت إلى نحو 1000 عملية على الأقل في عام 2023.

ينوّع داعش أنماط الاستهداف من خلال تبني أساليب مختلفة في تنفيذ العمليات: من خلال الهجمات المباشرة الواسعة على المواقع العسكرية الحكومية، واستخدام التفجيرات بالعبوات الناسفة، وعمليات المجازر الجماعية والتصفية العِرْقية، ونمط تخريب الممتلكات الحكومية والمدنية، كما يستفيد من استغلال التضاريس الطبيعية في الاختباء والانتشار والتحرُّك.

كما يركز التنظيم على توظيف الأبعاد الطائفية والعِرْقية كإستراتيجية لزعزعة الاستقرار الداخلي والانفلات الأمني، وبالتالي نُلاحِظ أن عملياته في إقليمَيْ شمال وجنوب كيفو منذ مطلع عام 2024 تسببت بمقتل ما لا يقل عن 800 مدنيّ و70 عنصراً من القوات الكونغولية ونزوح عشرات الآلاف من الأهالي، ومن خلال تحليل النشاط العملياتي لداعش في الكونغو، يتبين بشكل واضح تصميم التنظيم على استهداف المدنيين وتهجيرهم، مقابل هجمات شِبه هامشية على الجيش، كما حرص التنظيم خلال الهجمات على تنفيذ الكثير من عمليات الترهيب المتعمَّدة، مثل عمليات النحر الجماعي بواقع 51 عملية خلال عام 2024، و34 عملية اختطاف، في حين أحرق مئات المنازل في 22 عملية إحراق متعمَّدة للقرى التي يهاجمها. 

ماذا وراء توسُّع سيطرة التنظيم؟

يتيح توسُّع المساحة للتنظيم السيطرة على المزيد من الموارد المالية كالغابات التي يمكن الاتّجار بأخشابها بالتعاون مع شركات الأخشاب الصينية العاملة في الكونغو، والسيطرة على المزيد من مساحات الرعي التي تتيح للتنظيم فرض ضرائب جديدة على رعاة المواشي في هذه المناطق، إلى جانب بناء قدرة أكبر على السيطرة الميدانية، مما يتيح للتنظيم زيادة الهامش في الحركة وعدم محاصرته في مناطق محدودة، كما ستتيح تحرُّكات التنظيم الواسعة في المنطقة زيادة في قدرته على التحرك نحو الحدود مع أوغندا ورواندا المجاورتين؛ وبالتالي احتمالية تمدُّد التنظيم إلى هاتين الدولتين بشكل دائم في المستقبل القريب.

ستتيح تحرُّكات التنظيم الواسعة في المنطقة زيادة في قدرته على التحرُّك نحو الحدود مع أوغندا ورواندا المجاورتين؛ وبالتالي احتمالية تمدُّد التنظيم إلى هاتين الدولتين في المستقبل القريب، ومما يزيد من قوة هذا الاحتمال الهجمات التي نفذها التنظيم على مدرسة ثانوية وكنيسة في أوغندا قرب الحدود مع الكونغو في حزيران/ يونيو 2023، كما أن التنظيم سيطر بالفعل في أيار/ مايو 2024 على بلدة شاشا الواقعة على الطريق الرابط بين عاصمتَيْ مقاطعتَيْ بيني وإيتوري، (غوما) و(بوكافو) والممتد على طول الضفة الغربية لبحيرة كيفو المتاخمة للحدود الرواندية.

يسعى داعش من خلال توسيع عملياته على مساحات واسعة من القرى والبلدات في مناطق إيتوري وبيني ولوبير لتوسيع النفوذ الميداني ومساحات السيطرة، في إطار ما يمكن وصفه بإستراتيجية التوسُّع البطيء، حيث يفرض التنظيم على المدنيين قبل الهجوم نفوذه من خلال فرض الضرائب على المواشي والمزروعات والنقل، ثم ينتقل بعد ذلك إلى السيطرة الميدانية والتهجير الفعلي، حيث قد يدفع النزوح الجماعي للمدنيين داخليّاً لحدوث فراغ أمنيٍّ في المنطقة، وسيزيد من الضغوط على الحكومة بشأن توفير أماكن الإيواء والمواد الغذائية الأساسية، حيث تُعَدّ الكونغو واحدة من أكثر الدول التي تعاني من مشكلة النزوح الداخلي، ويُقدَّر عدد النازحين داخلياً بنحو 6 ملايين نسمة فيها.



مواد ذات صلة
محاولات "جبهة نصرة الإسلام والمسلمين" التوغُّل في توغو
محاولات التنظيمات الجهادية التمدُّد إلى السنغال