منافسة الجماعات الجهادية و"فاغنر" على مناجم الذهب ومناطق النفوذ

  • الرئيسية
  • منافسة الجماعات الجهادية و"فاغنر" على مناجم الذهب ومناطق النفوذ
Cass Banener Image
منافسة الجماعات الجهادية و"فاغنر" على مناجم الذهب ومناطق النفوذ

منافسة الجماعات الجهادية و"فاغنر" على مناجم الذهب ومناطق النفوذ

تُنتج مالي نحو 26 طناً من الذهب سنوياً -على الأقل- يأتي معظمها بنسبة 70% تقريباً من جنوب غرب مالي بقيمة تصل إلى 1.3 مليار دولار، وبالرغم من ذلك، فإن عدم إدراج مناجم الذهب في الشمال يجعل من الصعب تقدير الكمية التي تسيطر الجماعات الجهادية والانفصالية على إدارة إنتاجها في المنطقة، علماً أن روسيا وقّعت "مذكرة تفاهم" مع المجلس العسكري المالي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لتمويل منشأة لتصفية الذهب وبنائها في العاصمة المالية باماكو، لإنتاج 200 طن من الذهب سنويّاً، وهو ما يُعَدّ أكثر بثلاثة أضعاف من إنتاج مالي الرسمي في عام 2022.  

"فاغنر".. بوابة الاهتمام بالذهب  

تؤكد معلومات متواترة اهتمام ميليشيا "فاغنر" الروسية في مالي بإدارة عمليات التنقيب عن الذهب وتعدينه، فمنذ اشتراكها في حملات الجيش المالي ضد الطوارق في إقليم كيدال في آب/ أغسطس 2023 تصاعد تركيزها على مناطق تعدين الذهب وسط البلاد وجنوبها، في محاولة منها لتحصيل المبالغ المتفَق عليها مع الحكومة الماليّة في إطار دعمها لحملاتها ضد الجماعات الجهادية وقُوى الطوارق.  

تنتشر في مالي أربع شركات دولية تعمل في مجال التنقيب عن الذهب وتعدينه، وهي شركتَا "BarrickGold" و "B2GOLD" الكنديتان، وشركة "Resolute Mining"  الأسترالية، وشركة AngloGold Ashanti" " من جنوب إفريقيا.  

دخلت فاغنر مرحلة الاتفاقيات مع الحكومة للاستثمار في تعدين الذهب، حيث اشترى مؤسسها ديمتري أوتكين عام 2022، %78 من أسهم إحدى الشركات الماليّة -الشركة الوطنية- لتعدين الذهب "MARENAGOLD"، إلا أن هذا الاستحواذ لم يكن كافياً لفاغنر، مما دفعها للتوسع بحثاً عن سيطرة خالصة على عدة مناجم كبرى، وفي هذا الإطار في 9 من شباط/ فبراير 2024 سيطرت ميليشيات فاغنر الروسية على منجم "تِين أيكارانا" أكبر منجم في الأقاليم الشمالية في مالي، الواقع في بلدة إنتاهقا بولاية غاو، علماً أن هذا المنجم خضع في السنوات الأخيرة لسيطرة جماعات متعددة بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وأخيراً ميليشيا إمغاد التي دفعت للتنظيمات الجهادية ضرائب مقابل تشغيلها للمنجم خلال السنتين الأخيرتين.  

خلال عام 2023 وفَّرت تجارة الألماس والذهب التي تسيطر عليها فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى نحو 2.5 مليار دولار، عَبْر شبكة من الوسطاء وشركات التعدين التي تستغل الثغرات في العقوبات الغربية لبيع الذهب والألماس في الأسواق العالمية، مما يخفف من تأثير العقوبات الغربية على موسكو.  

الجماعات الجهادية أمام تحدِّيَات المال والثروة  

تؤكد معلومات خاصة لمركز دراسات الأمن الإفريقي أن الجماعات الجهادية تُولي اهتماماً كبيراً بتعدين الذهب وتجارته، فما إن تظهر علامات على وجود مواقع لتعدين الذهب في أي موقع من شرقي مالي أو جنوبيها أو شمال بوركينا فاسو، حتى تأتي مجموعات مختلفة من التنظيمات الجهادية -بحسب السيطرة على الأرض- بهدف السيطرة على الموقع وفرض إتاوات على العمال العاملين فيها، فالمنطقة زاخرة بمناجم الذهب –الرسمية وغير الرسمية– وقد أمست مصدر دخل للتنظيمات الجهادية في المثلث الحدودي بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي.  

ومع العودة لفاغنر التي سيطرت على منجم إنتاهقا نرى تنظيم الدولة في ولاية الساحل يأخذ زمام المبادرة ليؤكد حضوره ومطالبه في الأرباح التي ينتجها المنجم، حيث نفذ كميناً للجيش المالي أدى لمقتل ما يقارب 50 عنصراً -بحسب إعلامه الرديف- بعد يوم من سيطرة فاغنر على المنجم، وذلك على بُعد 55 كم من موقع المنجم في ولاية غاو، كما نفذ هجمات أخرى ضد فاغنر والجيش المالي، أبرزها في 16 شباط/ فبراير حيث استهدف رتلاً للجيش وفاغنر في منطقة غاتيانا القريبة من موقع المنجم في ولاية غاو، أدى الهجوم لمقتل عنصرين من ميليشيا فاغنر ونحو 6 عناصر من الجيش وإصابة نحو 10 آخرين بحسب مصادر محلية.  

مآلات التنافُس على الذهب  

لا تشرف حكومات دول الساحل على عمليات التعدين واستخراج الذهب، وإنما تتيح للمواطنين استخراجه بأنفسهم مقابل تسويقه عَبْر شركاتها الرسمية، وهنا يبرز دور الميليشيات المحلية وعصابات الجريمة المنظمة التي تسيطر على كثير من جهد الناس في مناطق التنقيب، مما دفع تنظيمَي الدولة والقاعدة في دول الساحل لتقديم عروض للناس تتضمن حمايتهم من قُطّاع الطرق وجماعات الجريمة المنظمة، مقابل مقادير معينة من الذهب المستخرَج في المنطقة، وبالتالي كانت عوائد الذهب منذ عام 2020 المصدر المالي الأبرز لهذه الجماعات، حيث يبسطون سيطرتهم على مناجم ذهب خاصة بهم، أو يفرضون ضرائب معينة على الناس في المناجم الأخرى، ويقومون ببيع الذهب للتجار المرتبطين بتهريب الذهب من دول الساحل عَبْر دول الجوار، مثل توغو وبنين، أو عَبْر الرحلات الجوية المباشرة بين الدول الغنية بالذهب ودول أخرى كالإمارات، وكثيراً ما يُنقل الذهب المهرَّب بحقائب اليد عَبْر رشاوَى مقدَّمة لموظفي المطارات في هذه الدول، إلى جانب أن حمايتها للقرى التي يعمل شبابها في التنقيب شكَّلت بوابة فكرية ودعائية لتجنيد الشباب واستقطابهم إلى صفوفها.  

بكل تأكيد إن سيطرة فاغنر على مناجم ذهب قريبة من مناطق الجماعات الجهادية أو خاضعة لها ستزيد من العنف المتبادَل من جهة، وستدفع مجموعات كبيرة من الشباب للانضمام إلى هذه التنظيمات التي تستخدم دعايتها لمواجهة "المحتل الجديد" و"أعوان الطاغوت"، بهدف الدفاع عن "دماء المسلمين وأعراضهم" خاصة مع ارتكاب "فاغنر" مجازر دموية بشكل شِبه يومي في حقّ المدنيين في القرى التي تنفذ عمليات تفتيش ودهم فيها.  

من المؤكد أن خُطوات "فاغنر" في السيطرة على عشرات المناجم الصغيرة في مناطق نفوذ الجماعات الجهادية ستدفع هذه الجماعات لتصعيد هجماتها ضد القوات الحكومية وعناصر "فاغنر"، كما أن نشاط هذه التنظيمات في مناطق المناجم غير الرسمية للذهب سيُعَدّ دافعاً لفاغنر لتوسيع نشاطها فيها، على سبيل المثال- لا تنشط فاغنر في المناطق الغنية بالذهب في جنوب غربي مالي -ولاية كايسي- إلا أن توسُّع نشاط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فيها أواخر عام 2023 سيعطيها ذريعة مُثلى لتُوسِّع نشاطها فيها مستقبلاً، وذلك بهدف تحقيق مزيد من السيطرة على مناجم الذهب في المنطقة مستقبلاً، وبالتالي فإن التنافُس على النفوذ والسيطرة على مناجم الذهب وعمليات تعدينه ستزداد مستقبلاً، مما يحفز تصاعُد الاضطرابات الأمنية في المنطقة، ويزيد من احتمالات تنفيذ هجمات ضد هذه المناجم وارتكاب مجازر بحق المدنيين العاملين فيها.   

 

 



مواد ذات صلة
اقتحام حركة الشباب لفندق في مقديشو
تحسُّن في العلاقات المغربية الكينية