بتاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2024 أذاع الجيش المالي بياناً يؤكد فيه مقتل عبد الهادي ولد شعيب أحد قيادات داعش الكبرى في مالي، في هجوم استهدف مقرّاً له مع أربعة عشر عنصراً آخرين كانوا برفقته.
وقد أكّدت مصادر خاصة لمركز دراسات الأمن الإفريقي أن الهجوم تمّ بتنسيق بوركينابي ومالي، حيث نفّذت مالي هجوماً بالطائرات المسيرة التركية -بيرقدار2-، في 21 كانون الثاني/ يناير 2024، ضد مقر لداعش في بلدة إينارابان (Inarabane) على بُعد 60 كم جنوب غرب مدينة ميناكا، قرب الحدود البوركينابية التي تُعَدّ من أهمّ المعاقل لداعش في المنطقة.
أهمّية الاستهداف وخلفياته!
ازدادت وتيرة هجمات التنظيمات الجهادية بشكل واضح في دول الساحل، وتبدو مالي والنيجر وبوركينا فاسو الساحة الأكثر ترشيحاً للتصاعُد في تأزُّم الوضع الأمني بناءً على معطيات الهجمات الجهادية عام 2023 وما رُصِد منذ بداية عام 2024. بالمقابل فإن كلّاً من مالي وبوركينا فاسو تسعيان لتحقيق تقدُّم في مواجهة هذه التنظيمات، من خلال التعاون الأمني مع بعض القوى -مثل التعاون مع ميليشيات فاغنر في مالي- بهدف مواجهة هذه التنظيمات ووقف تقدُّمها
تشير مصادر ماليّة مطلعة على واقع تنظيم الدولة في البلاد إلى أن عبد الوهاب ولد شعيب يشغل منصب أمير منطقة ميناكا في مالي، وقد أشرف فعليّاً على توسيع نفوذ التنظيم في المنطقة بين عامَيْ 2022- 2023 ، مما أدى لمقتل مئات المدنيين خلال عشرات الهجمات ضد القرى والبلدات القريبة من مواقع الجيش المالي.
تعود أهمية عبد الوهاب لكونه واحداً من أهم المصادر القادرة على تأمين السلاح من عدة موارد في مالي سواء عَبْر شبكات التهريب المتصلة بجنوب ليبيا، أم عَبْر شرائه بأثمان مضاعفة من بعض فِرَق الجيش الماليّ أو قوات الجماعات الأزوادية التي تحصّل كثيراً من دعمها من أجهزة أمنية جزائرية.
جاءت العملية في سياق التركيز على استهداف قيادات داعش بدءاً من كانون الأول/ ديسمبر 2023، حيث سبق أن استُهدِف كلٌّ من العربي باي عادل، وإبراهيم آبيلا هاكو، وأسامة جالو، وآدامو جالو من القادة العسكريين لداعش في المنطقة، مع التأكيد على مقتل العربي وإبراهيم دون وجود تأكيد على مقتل أسامة وآدامو.
يُعَدّ هذا الاغتيال ثالث اغتيال ناجح لقيادات من تنظيم داعش في مالي، حيث سبقه اغتيال العربي باي عادل، وإبراهيم آبيلا هاكو، ومن المرجَّح أن يكون أثر هذه العمليّة أكبر، من مقتل القيادييْنِ السابقيْنِ، نظراً للمسؤوليات والمنصب الذي يشغله عبد الوهاب من جهة، ولكونه العقل المدبِّر لخُطَط داعش في المنطقة من جهة أخرى.
انعكاسات مهمة
قد يفتح التعاون الدفاعي القائم بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، -بحضور أمنيّ تركي- الباب لتشكيل تحالُف ثلاثي ضدّ التنظيمات الجهادية، وتُعَدّ هذه العمليات مؤشراً على خُطوات تم اتخاذها تجاه قيادات الجماعات الجهادية هذه في المنطقة بهدف تشتيت البِنْية العسكرية التي يديرونها.
يمكن القول: إن الحضور الأمني التركي في المنطقة قد يتوسع في المدى القريب، وسيؤدي نجاحها في دعم تنفيذ اغتيالات تكتيكية في قيادات التنظيمات الجهادية لتقليص مساحات سيطرتها من جهة، والبدء -عمليّاً- بتفكيك بناها العسكرية من جهة أخرى، وبالتالي تحقيق نجاح في مكافحة هذه التنظيمات، مما يفتح الباب لتركيا للتعاون أمنيّاً مع دول القارة بشكل أوسع في الفترات القادمة.