بالرغم من خسارة تنظيم القاعدة هجومه العسكري الواسع في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 على قاعدة للجيش البوركينابي في دجيبو Djibo في إقليم سوم شمال بوركينا فاسو، وهي الأكبر في شمال البلاد، إلا أن التنظيم استطاع امتصاص صدمة فشل اقتحامه العسكري للقاعدة ومقتل ما لا يقل عن 100 عنصر من عناصره، فقد بادر إلى تنفيذ هجمات متتالية لاحقة، في كانون الأول/ ديسمبر 2023 حيث هاجم ثكنة عسكرية في محيط بلدة نانكو Nango التابعة لمدينة زوغوري Zogor، وثكنة أخرى في محيط بلدة بالافي Balave، وثكنة في محيط مدينة كاسان Kassan، إلا أن هذه الهجمات لم تُكلَّل بالنجاح.
إثر الفشل المتتالي في عدم السيطرة على هذه القواعد العسكرية، دخلت جبهة نصرة الإسلام والمسلمين المبايعة للقاعدة في دول الساحل في حالة من الهدوء وإعادة ترتيب الصفوف -بحسب مصادر خاصة- امتدت إلى أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023، تلا ذلك هجوم واسع النطاق على القاعدة العسكرية البوركينابية في بلدة نونا (Nouna) في إقليم بوكل دو موهون (Boucle du Mouhoun) شمال غربي البلاد عصر 1 كانون الثاني/ يناير 2024.
استقدمت الجماعة مجموعات جديدة من كتائب تحرير ماسينا الفولانية التي يُعرَف مقاتلوها بشراستهم في القتال، واستخدمت في هجومها تكتيكات القصف بالهاون والقذائف الصاروخية من عدة محاور، كما قامت بتدمير 3 أبراج لنقل خطوط الكهرباء في محيط المدينة بعبوات ناسفة، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن معظم المدن والبلدات المحيطة في المنطقة؛ تلا ذلك اقتحام معسكر الفرقة 53 في المنطقة من أربع جهات بنحو 200 عنصر، يستقلون السيارات والداجات النارية، مع اقتحام البلدة القريبة من القاعدة في الوقت نفسه.
تشير المعلومات إلى أن عدد القتلى من الجانبين كان كبيراً، فقد فقدت كتائب تحرير ماسينا التابعة لجبهة نصرة الإسلام والمسلمين 20 عنصراً أثناء الهجوم وأُصيب 15 آخرون، في حين خسر الجيش نحو 30 عنصراً، وأُصيب 15 آخرون وأُسِر 7 عناصر آخرون، وانتهى الهجوم بالسيطرة على البلدة والقاعدة، والاستيلاء على مئات البنادق الآلية -كلاشينكوف- وعدة مدافع رشاشة متوسطة، وعدد من مدافع الهاون والسيارات رباعية الدفع والدراجات النارية وعشرات الصناديق من الذخائر المتنوعة.
السيطرة على القاعدة.. لماذا؟
عمدت كتائب تحرير ماسينا بعد السيطرة على جميع العتاد في المعسكر إلى الانسحاب منه بعد إحراقه، وتوجهوا إلى جنوب بوركينا فاسو سالكين الطريق الدولي الذي يربط مالي ببوركينا فاسو ويمر وسط مدينة باقالا (Bagala).
يضعنا نجاح هذا الهجوم أمام السؤال عن أسبابه، في ظل فشل الهجمات السابقة؟
من المرجَّح أن الفشل السابق ارتبط بسبب رئيسي، وهو: اشتراك الطائرات المسيرة في صدّ الهجوم، مما يؤكد وجود رصد جويٍّ يرافق تحرُّكات مجموعات المهاجِمين، بينما نجح هجومه الأخير في اقتحام معسكر الفرقة 53 لعدد من الأسباب، أهمها: اعتماد جبهة نصرة الإسلام على مهاجمة المحاور البعيدة عن العاصمة البوركينابية والقريبة من حدود انتشار الجماعة في مالي، واعتمادها في الهجوم الأخير على كتائب ماسينا التي يغلب عليها قومية "الفولان" الرحَّل، وتخضع القاعدة المهاجَمة لنفوذ هذه القبائل في المنطقة، وغياب الطيران المسيّر عن المشاركة في العملية، مما يُعَدّ مؤشراً على سرية الهجوم وعدم وجود تسريباتٍ سبقته من جهة، إلى جانب كونه مؤشراً على ضعف الاستجابة العسكرية للتهديد الطارئ من جهة أخرى.
من المرجَّح أن الهجوم جاء في سياق العمليات المتصاعدة في المنطقة، حيث تستهدف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 قواعد عديدة للجيش المالي والبوركينابي، فنفذت في مالي 10 هجمات على قواعد عسكرية متفرقة، أسفرت اثنتان منها عن السيطرة على قاعدتين عسكريتين، والتمركز فيهما مؤقتاً ثم الانسحاب منهما لاحقاً، في حين أن 8 هجمات فشلت في تحقيق هدفها في السيطرة الكاملة على الثكنة، وانسحبت القوات المهاجِمة إثر اشتباكات عنيفة مع الجيش المالي، وعلى الجانب الآخر -في بوركينا فاسو- فقد نفذ التنظيم 6 عمليات اقتحام لثكنات عسكرية في مناطق متعددة شمال ووسط شمال البلاد، نجح في هجوم واحد منها -وهو الهجوم على قاعدة نونا- في حين أن بقية الهجمات لم تنجح في الوصول إلى عمق تلك القواعد العسكرية.
على الأغلب فإن هذه الهجمات ستستمر ضد القواعد العسكرية البوركينابية، وربما تقترب من الجنوب والعاصمة البوركينابية أكثر، مما يُعَدّ مؤشراً على انتشار معاقل وخلايا أخرى للجماعة في المنطقة.