مثَّل وزير الخارجية ناصر بوريطة المغرب في القمة الإفريقية المنعقدة حول "الأسمدة وصحة التربة" في العاصمة الكينية نيروبي بين 7 و9 من أيار/ مايو 2024، في حضور يحمل أبعاداً سياسية ومؤشراً على تطوُّر العلاقات بين الطرفين بعد تولّي الرئيس الكيني ويليام روتو السلطة في كينيا منذ أيلول/ سبتمبر 2022، حيث أَوْلَى -في حملته الانتخابية- موضوع تحسين العلاقات مع الدول الإفريقية -خاصة المغرب- أهميّة بالغة.
في هذا الإطار سبَق أن عيّنت كينيا في المغرب الدبلوماسية "جيسيكا موتوني غاكينا" سفيرة لها في المغرب -للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين- في نيسان/ إبريل 2024، وذلك بعد نجاح الدبلوماسية في إقناع لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الكيني بضرورة تعزيز العلاقات بين كينيا والمغرب وزيادة الفرص الاقتصادية بين البلدين، خاصة في قطاعات الأسمدة -الفوسفات- والشاي والقهوة.
يندرج هذا التقارُب ضِمن سياسة المغرب الجديدة التي تستهدف إبعاد الدول الداعمة لجبهة البوليساريو عنها، حيث تُعَدّ كينيا واحدة من أبرز هذه الدول، حيث يوالي جزء مهم من القيادات العسكرية في كينيا الجزائر وجنوب إفريقيا، وهما من الدول الداعمة لاستقلال الصحراء عن المغرب، إلا أن الرئيس الحالي الذي أعلن عن سعيه لإلغاء الاعتراف بجبهة البوليساريو تراجع عن ذلك إثر ضغوط جزائرية وجنوب إفريقية.
بالرغم من ذلك فقد استطاعت الدبلوماسية المغربية الهادئة -منذ عام 2020- إقناع العديد من الأحزاب السياسية الكينية في البرلمان بضرورة بناء علاقات مستقرة مع المغرب، وقد كُلّلت زيارة وزير الخارجية إلى نيروبي في القمة الأخيرة، بالحديث مع الرئيس الكيني حول الخُطوات العملية لإنشاء مصنع ضخم للأسمدة في كينيا بتمويل من "المكتب الشريف للفوسفات"، -وهو المشروع ذاته الذي تقدمت به المغرب سابقاً لنيجيريا وإثيوبيا- إلى جانب إنشاء خطّ جوي مباشر بين الدار البيضاء ونيروبي، وإحداث منتدى سنوي للاستثمار يجمع رجال الأعمال من البلدين.
كانت الجزائر قد استشعرت بوادر التقارب بين كينيا والمغرب، مما دفعها لوقف هذا التقارب، عَبْر زيادة المساعدات المقدَّمة لها من الأسمدة، فأعلنت في كانون الثاني/ يناير 2024 عن تقديم 16 ألف طن من الأسمدة اليوريا 46، في إطار ما تصفه الجزائر بـ"السياسة التضامنية للجزائر في دفع عجلة التنمية بالقارة الإفريقية".
يُعَدّ هذا الموقف مؤشراً على استمرار الصراع الدبلوماسي والسياسي بين المغرب والجزائر لاستقطاب دول شرق إفريقيا عموماً وكينيا خصوصاً لاتخاذ موقف لصالح أحد البلدين، وفي هذا السياق تندرج زيارة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف للعاصمة الكينية نيروبي بتكليف من الرئيس عبد المجيد تبون مطلع نيسان/ إبريل 2024، بهدف تعزيز "علاقات التعاون بين البلدين وتوطيد التشاور والتنسيق حول التطوُّرات الإقليمية والدولية"، حيث تتزامن الزيارة مع إعلان كينيا عزمها فتح سفارة رسمية لها في المغرب لتحقيق تقارُب مع المملكة المغربية، والدفع بالعلاقات الاقتصادية إلى مراحل متقدمة من التعاون.
تدرك الجزائر أهمية دور "المكتب الشريف للفوسفات" الذي يشكّل أداة قوية بيد المغرب لاستمالة الدول التي تعاني من الأزمات الغذائية كإثيوبيا ونيجيريا والنيجر وكينيا، التي تحتاج بشكل ملحّ إلى الأسمدة الزراعية، وهو ما يمكّن المغرب من تقريب هذه البلدان إلى وجهة نظرها تجاه مسألة الصحراء المغربية.
تشير مصادر خاصة إلى وجود دور للرئيس النيجيري بولا تينوبو في دفع العلاقات بين المغرب وكينيا نحو الأفضل في عهد الرئيس الجديد بعد تحسُّن العلاقات بين المغرب ونيجيريا، حيث من الممكن أن يدعو الملك المغربي الرئيس الكيني لزيارة بلاده خلال أشهر الصيف المقبل، مما يعني إمكانية توقيع اتفاقيات متنوعة -في مختلف مجالات التعاون الممكنة-؛ وعليه فإنه من المحتمل أن يدفع تحسُّنُ العلاقات بين المغرب وكينيا الأخيرةَ إلى تجميد علاقاتها مع جبهة البوليساريو بالتوازي مع تصاعُد التعاون المغربي الكيني الاقتصادي والدبلوماسي وربما العسكري في المستقبل القريب.
من المؤكد أن المغرب استطاع تشكيل نواة حقيقية لحماية مصالحه في منطقة شرق إفريقيا، بعدما كانت هذه المنطقة معقلاً لدعم الانفصاليين الصحراويين، وبالتأكيد فإن تراجُع كينيا عن دعم البوليساريو سيكون انتصاراً رمزيّاً في دعم المغرب في مسألة الصحراء، وتأكيداً على تصاعُد الحضور الدبلوماسي للمغرب شرقي القارة، مقابل تراجُع دور القوى الداعمة للبوليساريو فيها.