انتخابات تشاد.. نتائج وانعكاسات

Cass Banener Image
انتخابات تشاد.. نتائج وانعكاسات

انتخابات تشاد.. نتائج وانعكاسات

بتاريخ 6 أيار/ مايو 2024 شارك نحو 8 ملايين ناخب مسجلين على اللوائح الانتخابية في تشاد في اختيار رئيسٍ للبلاد في أكثر من 25 ألف مركز اقتراع في مختلف أنحاء تشاد، وفي 9 أيار/ مايو أعلنت مصادر مقرَّبة من المرشح الرئاسي سكسيه ماسرا عن فوزه بنسبة 59% في حين جاء محمد إدريس ديبي ثانياً بنسبة 14.5% وحلّ ثالثاً رئيس الوزراء الأسبق باهيمي باداكي بنسبة 9.70%، إلا أن الوكالة الوطنية للانتخابات أعلنت في 10 أيار/ مايو عن نتائج مغايرة تماماً، حيث فاز رئيس المجلس الانتقالي محمد إدريس ديبي بنسبة 61.3% فيما نال سكسيه ماسرا 18% من الأصوات، ونال رئيس الوزراء الأسبق باهيمي باداكي 16%.   

ما أهمية الانتخابات التشادية؟    

تعود أهمية الانتخابات الأخيرة لعدة سياقات محلية وإقليمية ودولية، أبرزها أنها الانتخابات الأولى بعد انتهاء المدة الانتقالية المقدَّرة بـ 18 شهرًا، إلا أنها مُدّدت لأسباب عديدة حتى أيار/ مايو 2024، إلى جانب ذلك فإنها تأتي في سياق استمرار النزاع في السودان، حيث تُعَدّ موجات اللجوء من السودان إلى تشاد ذات حساسية عالية، نظراً لتاريخ البلدين في دعم حركات التمرد في أراضي كل منهما، والتي تتمركز عادة في إقليم دارفور غرب السودان والتي كانت محور هجمات قوات الدعم السريع ضد المدنيين، بما في ذلك أولئك الذين ينتمون إلى قبيلة الزغاوة التي ينتمي لها رئيس المجلس العسكري الانتقالي ديبي، إلا أن معلومات خاصة تؤكد تقديم ديبي تسهيلات للإمارات لتقديم دعمها لقوات الدعم السريع عَبْر مطاراتها -مطار نجامينا- بالرغم من وجود ضغوط قَبَليّة على الرئيس من شيوخ قبيلة الزغاوة لدعم الجماعات التي تقاتل قوات الدعم السريع في دارفور.   

إلى جانب ذلك، تأتي هذه الانتخابات في ظل تعقُّد الأوضاع الداخلية في تشاد، حيث عادت جبهة الوفاق من أجل التغيير "فاكت" لحمل السلاح ضد الجيش التشادي، ونفذت عدة هجمات في منطقة غوري بوغدي التي يتمركز فيها أكبر مناجم الذهب التشادي في الشمال في آب/ أغسطس 2023، بالتوازي مع تصاعُد المدّ الجهادي والجماعات المسلحة والانفصالية في دول الساحل وغرب إفريقيا.   

كما أن الانتخابات تأتي بعد مقتل يحيى ديلو جيرو زعيم الحزب الاشتراكي المعارض "بلا حدود" وابن عمة الرئيس الحالي محمد ديبي، وذلك خلال عملية عسكرية استهدفت مقر حزبه يوم الأربعاء 28 فبراير/ شباط 2024، حيث اتهمته جهات أمنية بتنظيم هجوم على مقر الاستخبارات الوطنية في الليلة السابقة لمقتله، إثر اعتقال أحد أنصاره بتهمة محاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا، وقد أدى مقتل يحيى ديلو إلى تسليط الضوء حول الصراعات الداخلية في قبيلة الزغاوة الحاكمة ورفض الرئيس الحالي لوجود أي طرف قوي يمكن أن ينافسه من المنتمين لهذه القبيلة.   

دلالات النتائج وانعكاساتها!    

مثّلت الانتخابات الأخيرة في تشاد ركيزة أساسية في مفترق طرق حاسم في تحديد مستقبل البلاد، سواء على المستوى الداخلي أم الإقليمي، حيث من الممكن أن تؤدي الانتخابات إلى مزيد من إمكانات تعزيز الاستقرار وبناء الاقتصاد التشادي، كما أنها من الممكن أن تكون نقطة بداية لتمرُّدات عسكرية واضطرابات سياسية جديدة قد تزيد من تعقيد المشهد الإفريقي عموماً.   

قد تؤدي نتائج الانتخابات الأخيرة إلى تعزيز الاستقرار إذا ما أسفرت عن تشكيل حكومة تعمل على تجاوُز العقبات الاقتصادية في البلاد، وتزيد من الخدمات المقدمة للشعب، مما قد يساعد في تخفيف التوتُّرات الداخلية، كما أنه من الممكن أن تؤدي نتائج الانتخابات إلى تفاقُم التوترات ما لم تبنَّ الحكومة مسار التوافُق الداخلي.   

سترسخ النتائج الأخيرة مسار تمكُّن قبيلة الزغاوة وعائلة ديبي من مفاصل الحكم في تشاد، إلا أن هذا قد يزيد من بروز حركات تمرُّد مسلحة مدعومة من قِبل المعارضة أو بعض دول الجوار، مما يزيد على النظام التشادي أعباء الوصول لمرحلة الاستقرار والتنمية في البلاد، وبقائها تحت تهديد شبح الاضطرابات السياسية والاستبداد والقمع، حيث إن بلدان المنطقة في شريط الساحل والصحراء، مرت بصراعات سياسية واجتماعية واقتصادية منذ استقلالها مما زاد من صعوبة الاضطرابات السياسية فيها وعقّدت عليها مسار الانتقال الديمقراطي.   

من المرجَّح أن تنتقل تشاد إلى مرحلة جديدة في علاقاتها الخارجية، حيث يمكن أن ترسم هذه الانتخابات ملامح السياسة الإفريقية في السنوات القادمة، خاصة مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في آخِر معقل لهما في منطقة الساحل بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي وقعت في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر خلال السنوات الماضية، حيث إن تشاد نفسها تقع في منطقة محاطة بدول تعاني من نزاعات وتغلغل واضح لروسيا مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر وليبيا، وبالتالي تزايُد التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة، وهو ما يُعقّد التنافُس الدولي بين الأطراف الفاعلة فيها بشكل أكبر.   

من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في تشاد منفذها الأخير في دول شريط الساحل والصحراء، وبالتالي فإنها قد تدعم الرئيس ديبي اضطراراً بهدف الحفاظ على الهدوء الداخلي في تشاد، خشية أن يتكرر سيناريو الدول الإفريقية التي خرجوا منها (مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر).   

في الإطار ذاته فإنه من المرجَّح أن تدعم فرنسا الرئيس محمد إدريس ديبي بوصفه الجنرال الأقوى في الجيش والمتحكِّم مع أسرته بمفاصل الحكم في البلاد، ومن المستبعَد أن تؤثر الاضطرابات الداخلية -المحدودة- على العلاقات التشادية الفرنسية إلى حدّ التدهور، حيث إن تشاد آخِر معقل فرنسي تمتلك فرنسا فيه حضوراً عسكريّاً قويّاً بين منظومة دول الساحل والصحراء.   

في هذا السياق يبدو أن الرئاسة التشادية تدرك أهمية الموقع السياسي لبلادها، وبالتالي فإن الرئيس التشادي يستغل أوراقه ليتقرب من روسيا، حيث زار روسيا في كانون الثاني/ يناير 2024 وعقد اتفاقات عسكرية معها تتمثل بتوريد بعض الأسلحة للجيش التشادي، وذلك إثر لقائه الرئيس فلاديمير بوتين، مما يُعَدّ مؤشراً على إمكانية تطوير هذه العلاقة، خاصة مع وجود مقرّات وقواعد عسكرية روسية في جمهورية إفريقيا الوسطى المحاذية لتشاد، وبالتالي إمكان توسيع نفوذ روسيا داخل تشاد على حساب الدول الغربية في المرحلة المقبلة، مقابل عدم دعم الجماعات العسكرية المتمردة في الجنوب التشادي ومشاركتها في مكافحة الجماعات الجهادية في منطقة البحيرات على الحدود مع نيجيريا، خاصة مع سعي روسيا، لاستغلال الفجوة والتوتُّرات الأمنية الحاصلة في دول الساحل لتعزيز علاقاتها مع تشاد وغيرها من الدول.   

من المرجَّح أن يستمر التعاوُن بين الرئيس محمد إدريس ديبي والإمارات في سبيل استمرار تدفُّق الدعم العسكري لقوات الدعم السريع في السودان، وذلك مقابل مزايا مالية واقتصادية، قد تتطور إلى علاقات عسكرية تتمثل بمنح الإمارات قاعدة عسكرية في تشاد عوضاً عن القاعدة الإماراتية التي لم تقبل النيجر إنشاءها في عهد الرئيسين محمدو إيسوفو ومحمد بازوم، كما أن تشاد ستستغل حاجة الاتحاد الإفريقي للاستقرار في تشاد بهدف زيادة ضغوطها ومطالبها الاقتصادية وتمويل مشاريع التنمية بداعي استمرار الاستقرار في البلاد، حيث من المرجَّح أن تؤدي الهشاشة والاضطرابات في تشاد إلى تأثيرات كبيرة من اللاجئين والجماعات المتمردة على دول الطوق المحيطة بها.    

  

  

 

 



مواد ذات صلة
حملات التهجير الجماعية في ولاية بلاتيو النيجيرية
جبهة نصرة الإسلام والمسلمين تغتال قياديّاً لداعش في بوركينا فاسو