تُعَدّ هجمات حركة الشباب على المجمعات الرئاسية والفنادق التي تجري فيها اجتماعات الشخصيات الحكومية قليلة مقارنةً بالعدد العامّ لهجماتها في الصومال، وبالرغم من ذلك، فإنها عادة ما تهاجم -سنويّاً- العديد من الفنادق في العاصمة الصومالية مقديشو، وقد هاجمت -على سبيل المثال- فندق الحياة في آب/ أغسطس 2022.
بتاريخ 15 آذار/ مارس 2024 نجح خمسة عناصر من حركة الشباب الصومالية باقتحام فندق (SYL) المجاور للمجمع الرئاسي في العاصمة الصومالية مقديشو والسيطرة عليه لمدة سبع عشرة ساعة، مما يستوجب فهم آلية اقتحام العناصر لهذا الفندق الحصين، وتبيُّن غايات الهجوم بحدّ ذاته!
ووفقاً لمصادر مركز دراسات الأمن الإفريقي فإن ثلاثة عناصر من حركة الشباب المجاهدين استطاعوا الدخول بشكل رسمي من بوابات الفندق الرئيسية، حيث كانوا يرتدون لباساً مدنيّاً، إلا أنهم أظهروا بطاقات -مزوّرة- تُثبت عملهم في جهاز المخابرات الصومالي.
إثر نجاح العناصر في الدخول بدأت عملية اقتحام الفندق بتفجير سيارة قرب واحد من حواجز التفتيش القريبة من الفندق، وأثناء ذلك أغلق العناصر الثلاثة بوابة الفندق الداخلية مع تلغيمها معلنين بذلك السيطرة على الفندق، بالتوازي مع انشغال الشرطة والقوات الأمنية بالسيارة المفخخة التي انفجرت قرب الفندق.
من الجدير الإشارة إلى أن الفندق يقع على مسافة 6 دقائق -مشياً على الأقدام- من المجمع الرئاسي الذي يضم مبنى الرئاسة ورئاسة الوزراء، كما تحيط بهذه المنطقة الخضراء ست نقاط تفتيش دقيقة مزودة بأجهزة متطورة لكشف المتفجرات، ويشرف عليها ضباط من المخابرات الصومالية، وهي النقاط المعروف بالأسماء الآتية: سيدكا، وشيمبيراليه، و15 مايو، وبوندهير، ودالجيركا، وسيلغابتا.
وأكدت مصادر أمنية خاصة لمركز دراسات الأمن الإفريقي أن السيارة التي أقلت العناصر الثلاثة كانت من نوع تويوتا (VBIED) محملة بعدة عبوات ناسفة، عبرت من حاجز مفرق سيدكا، مما يُعَدّ مؤشراً على وجود اختراق أو تواطؤ أمني من قِبل بعض أفراد الحاجز قبل تنفيذ العملية، ومما يقوّي شكوك الاختراق وجود أمر من رئيس المخابرات (مهاد صلاد) بتغيير قيادة هذا الحاجز قبل يوم من وقوع العملية.
إثر إطلاق النار الكثيف في الفندق بدأت محاولات الأجهزة الأمنية استعادة الفندق على عدة مراحل، حيث فخّخ عناصر الحركة البوابة الأمامية والخلفية بداية، مما أعاق العناصر من الوصول إلى داخل الفندق بسرعة.
ما نتائج العملية؟
إثر إغلاق البوابة الداخلية للفندق بدأ عناصر الحركة البحث عن بعض المسؤولين الذين كانوا في اجتماع داخل الفندق بهدف اعتقالهم أو تصفيتهم، وفي هذا الإطار قُتِل من نزلاء الفندق 31 شخصاً يُعَدّ معظمهم من الوجوه الاجتماعية والعشائرية، إلى جانب 3 عناصر أمنية وعسكرية أثناء محاولة استعادة الفندق، وأُصيب 46 آخرون بينهم سبع وعشرون عنصراً عسكرياً، وستة نواب برلمانيين منهم النائب عثمان ديري، والناطق الرسمي باسم الحكومة فرحان جمعة علي، والقائد العامّ لوحدة شرطة الهرمكاد الخاصة التي تدربها تركيا، وعدد من المسؤولين في إدارة العاصمة.
في الطرف المقابل، قُتِل من عناصر حركة الشباب خمسة عناصر، فيما استطاع عنصران آخران الفرار من الفندق قبل إحكام السيطرة عليه، مما يعني أن عدد العناصر الذين شاركوا في اقتحام الفندق 7 عناصر، ثلاثةٌ جاؤوا من خارجه، فيما ما زال مجهولاً كيفية وصول بقية العناصر.
من المرجَّح أن خطة اقتحام الفندق أعدّت على نحو مسبَق، حيث استطاع المهاجمون الصمود سبع عشرة ساعة قبل عودة الفندق لسيطرة القوات الأمنية، ولم تستطع الوحدات الأمنية المدرّبة من قِبل الإمارات، وتركيا استعادة الفندق، وقد تم إنهاء الحصار بفضل الدعم الذي قدمته وحدة غاشان المدرّبة من قِبل الولايات المتحدة.
من اللافت للنظر أن بين القتلى من حركة الشباب -بحسب مصادر خاصة- عنصراً يدعى ليبان محمد أحمد يعمل موظفاً فنيّاً متعاقداً مع البرلمان الصومالي، ويحمل بطاقة حكومية تسهّل له الدخول إلى المؤسسات الحكومية، مما يُعَدّ مؤشراً على إمكانات الحركة في العمل الصامت واختراق المؤسسات الحكومية.
تسلط الحادثة الضوء على قدرات حركة الشباب في تنظيم هجمات معقدة أمنياً مستفيدة من اختراقها للأجهزة الأمنية والعسكرية، ويُعَدّ هجوم الحركة على قاعدة جوردن شباط/ فبراير 2024 مثالاً قريباً على ذلك، ومن جملة الأمثلة التي تُعَدّ مؤشراً على حرص الحركة في الاختراق النوعي انشقاق المرافق الشخصي الرئيسي السابق للبرلمان الصومالي ووزير الدفاع السابق محمد مرسل قبل محاولة اعتقاله، حيث تبيّن أنه عنصر نَشِط في حركة الشباب.
من المؤكد أن هذه العملية ستدفع رئيس الحكومة والرئيس الصومالي لعزل العديد من القيادات في المخابرات والأمن الصومالي من جهة -وبالفعل قد وضع ثلاثة ضباط من المشرفين على حاجز سيدكا قيد الاعتقال والتحقيق-، وتعزيز الإجراءات الأمنية للشخصيات الحكومية المقربة من الرئيس ورئيس الوزراء من جهة أخرى.