أبعاد استهداف القوات الإماراتية في مقديشو

  • الرئيسية
  • أبعاد استهداف القوات الإماراتية في مقديشو
Cass Banener Image
أبعاد استهداف القوات الإماراتية في مقديشو

أبعاد استهداف القوات الإماراتية في مقديشو

بتاريخ 11 شباط/ فبراير 2024 نفّذ أحد عناصر تنظيم "حركة الشباب المجاهدين" في الصومال عملية أمنية في قاعدة الجنرال "غوردن" العسكرية في مطار آدم علي الدولي في مقديشو، انتهت العملية بمقتل 9 عسكريين على الأقل -بحسب الإعلام الصومالي- بينهم أربعة ضباط إماراتيين وضابط بحريني في حين قُتل خمس عناصر من القوات الصومالية، بينما أكدت مصادر الحركة الإعلامية مقتل 17 عنصراً بينهم الضباط الإماراتيون والبحريني الخمسة و5 عناصر من القوات الصومالية وثمانية آخرون من القوات الصومالية الحكومية.  

تعود هذه العملية الانتقامية إلى دور الإمارات في مواجهة حركة الشباب الصومالية، ففي خُطوة مفاجئة، نفّذت الإمارات غارة بطائرة مسيَّرة استهدفت اجتماعاً لقيادات في حركة الشباب في حزيران/ يونيو 2023، في أول انخراط فعلي من قِبلها في استهداف الحركة، حيث استهدفت غارة جويّة منزلاً في بلدة دوماي التي تسيطر عليها حركة الشباب في ولاية مدق، وذلك بالتزامن مع التحضيرات العسكرية للحملة العسكرية التي أعلنت عنها الحكومة الصومالية وبدأت تنفيذها منذ تموز/ يوليو 2023.  

دفع الاستهداف حركة الشباب لتصعيد عملياتهم ضد القطعات العسكرية التي تدربها الإمارات في مقديشو، إلى جانب تصفية عدد من المدنيين بتهمة تعاوُنهم معها، من بينها تنفيذ هجوم انتحاري في أيلول/ سبتمبر 2023 داخل قاعدة دامانيو العسكرية التابعة لقوات المغاوير الصومالية التي تدربها الإمارات في مديرية دينيلي في مقديشو، وقد أدى الهجوم إلى مقتل قُرابة 20 عنصراً وإصابة 30 آخرين، وفي استمرار لهذا التوتُّر العسكري، قامت الحركة باستهداف القاعدة الأهم إماراتيّاً داخل مقديشو، مما يشير للعديد من الدلالات التي تترافق مع هذه العملية.  

الإمارات والصومال.. مسارات العلاقة  

يدفعنا الحادث للوقوف بمسار العلاقات الإماراتية الصومالية التي تمر بأشكال متعددة من الفتور والعداء والتحسُّن، مما جعل موقف الإمارات من القضايا الداخلية للصومال متنوّعاً بحسب علاقته بالفاعلين في سُدّة الحكم.  

بدأت العلاقة إيجابيّاً بين البلدين بين آذار/ مارس 1993 و آذار/ مارس 1995 إبان تدخُّل الأمم المتحدة لإعادة السلم للبلاد، حيث شاركت الإمارات إلى جانب دول أخرى ببعض الكتائب العسكرية لحفظ السلام في مقديشو، وقدّمت آلاف الخيام للاجئين الفارين من الحرب، إلى جانب بناء مشفى ميدانيّ، تطوّر ليصبح فيما بعدُ "مشفى زايد الخيري"، واستمر مسار الدعم الإنساني إلى حين وقوع الأزمة الخليجية عام 2017 التي أفرزت العديد من الإشكالات، ومن أبرزها إيقاف برنامج تدريب الإمارات لوحداتٍ من الجيش الصومالي في مقديشو عام 2018 ومصادرة الصومال مبلغ 9.6 مليون دولار من طائرة السفير الإماراتي في نيسان/ إبريل 2018، إلى جانب التصويت على منع شركة موانئ دبي العالمية من العمل في موانئ الصومال وتطويرها، وطلب الرئيس الصومالي آنذاك محمد عبد الله فرماجو من الإمارات الاعتذار عن تدخُّلها في شؤون الصومال الداخلية.  

عادت العلاقات بين الطرفين إلى التحسُّن بعد وصول حسن شيخ محمود إلى منصب الرئاسة مرة أخرى في 15 أيار/ مايو 2022، كما وقّعت الإمارات مع الجيش والحكومة الصومالية اتفاقيات أمنية جديدة، من بينها الإسهام في استهداف حركة الشباب المجاهدين، وتبادُل المعلومات بشأن مكافحة الإرهاب وتمويله، وإعادة تفعيل برنامج تدريب الجيش الصومالي وتمويله، إلى جانب الاعتذار عن مصادرة الأموال التي جرت في عهد الرئيس فرماجو، وإعادة الأموال المصادَرة إلا أن الإمارات قدّمتها كدعمٍ في مساعي مواجهة المجاعة والجفاف في البلاد.  

خفايا الحضور الإماراتي في الصومال!  

أسهمت الإمارات -منذ عام 2010- في دعم إقليم بونتلاند وموّلت خفر السواحل فيه لمواجهة القرصنة، ووقعت اتفاقاً مع حكومة الإقليم على ترميم ميناء بوصاصو وتطويره وتشغيله -مقابل ساحل عدن- لصالح شركة موانئ دبي العالمية لمدة 30 سنة، إلى جانب تمويل وكالة الاستخبارات الخاصة بالإقليم وتدريبها. وقد تقاربت الإمارات -في الآن نفسه- مع جمهورية صومالي لاند الانفصالية -غير المعترَف بها رسميّاً- وأسهمت في تقديم تمويل لأجهزتها الأمنية عام 2016، كما وقّعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقاً معها يقضي بترميم ميناء بربرة في ساحل الجمهورية وتطويره وتشغيله لمدة 30 عاماً، ودعمت جهاز الاستخبارات والجيش في الجمهورية الانفصالية، وموّلت إنشاء طريق دولي سريع يربط العاصمة هرجيسيا بإثيوبيا عَبْر مدينة واجالي غرباً. كما دعمت في كانون الثاني/ يناير 2024 اتفاقية إثيوبيا وحكومة أرض الصومال القاضية بمنح إثيوبيا 20 كيلومتراً من شاطئ البحر الأحمر وتحديداً ميناء بربرة على خليج عدن لمدة 50 سنة، إلى جانب تفاصيل أخرى بالغة الأهمية كالسماح ببناء قاعدة عسكرية بحرية إثيوبية في ميناء بربرة.  

عززت الإمارات حضورها الميداني في الصومال عَبْر امتلاكها ثلاث قواعد عسكرية في كل من ميناء بوصاصو -قاعدة علولا-، وميناء بربرة -مطار عسكري- وقاعدة في ميناء كيسمايو بموجب اتفاق مع الحكومة الفيدرالية في 2016 لبناء قاعدة عسكرية للقوات الإماراتية في إقليم جوبا بدعم من الرئيس حسن شيخ محمود وأحمد محمد إسلام رئيس الإقليم آنذاك.  

هجوم غوردن.. دلالات العملية!  

ينبني الحضور الإماراتي في الصومال على إستراتيجيتها في السيطرة على قواعد النقل البحرية في القرن الإفريقي وشرقي إفريقيا ومنطقة المحيط الهندي، وقد قامت الإمارات بالاستثمار المباشر في شريط ساحلي طويل بدءاً من ميناء السخنة جنوب السويس والغردقة وشرم الشيخ وغرب بورسعيد مروراً بموانئ الصومال بربرة، وبوصاصو وكيسمايو، وصولاً إلى العديد من الموانئ في راوندا وموزمبيق ومدغشقر وأنجولا وغينيا وجنوب إفريقيا والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ ومن ثَمّ فإن القرن الإفريقي موقع إستراتيجي لتوسيع النفوذ الإماراتي في اليمن، ودعم سياساتها فيه.  

بناءً على ذلك كان لا بدّ من تعميق التحالُفات الأمنية والعسكرية مع الصومال وأقاليمه المختلفة، كلّ على حدة، إلى جانب تعزيز تعاونها مع الحكومة الفيدرالية، وهو ما أثمر بتحويل ميناء بربرة -مؤقتاً- إلى مركز إقليميٍّ للموانئ الإماراتية من ناحية، وقطع الطريق -نظريّاً- على السفن الإيرانية التي كانت ترسو في بوصاصو، بهدف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن.  

مطلع شباط/ فبراير 2024 وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانوناً يلغي صفقة الميناء واعتبرها انتهاكاً للسيادة، وهدّد بحرب ضد الاتفاقية لحماية البلاد، بالرغم من أن علاقة الرئيس الحالي جيدة مع الإمارات بخلاف القيادة السابقة التي اختارت لغة العداء وتجميد المشاريع معها.  

في هذا الجوّ المشحون جاءت عملية حركة الشباب حاملة في ثناياها دلالات لا تُخطئها العين، بداية من استغلال روابط عشائرية مع منفذ العملية، والذي دفعته الحركة لينخرط ضِمن الجيش عمداً، ومع ظهور اللحظة المناسبة، استهدف العنصر أكبر رتبة إماراتية في الصومال، في مشهد لم يسبق وقوع شيء شبيه له فيها.  

في هذا الإطار، يجدر الإشارة إلى أن الحركة نفذت عمليات متعددة ضد مصالح إماراتية قبل حادثة الاستهداف المشار إليها آنفاً، منها اغتيال مدير عمليات موانئ دبي العالمية في ميناء بوصاصو، باول أنطونيو فراموسا -من دولة مالطا- بالرصاص عن قرب أثناء تجوُّله في أسواق السمك قرب الميناء في أيار/ مايو 2018، وسبق ذلك في حزيران/ يونيو 2015 استهداف موكب إغاثي تابع للهلال الأحمر الإماراتي بعملية انتحارية في مقديشو، حيث قُتل في الهجوم 6 صوماليين تابعون للهلال الأحمر، وأُصيب العشرات جراء التفجير.  

في الإطار ذاته تندرج عملية الحركة ضدّ الضباط الإماراتيين في إطار الثأر من مقتل عدد من قياداتها في هجوم الطائرة الإماراتية المسيّرة في حزيران/ يونيو 2023 من جهة، ومواجهتها لإستراتيجية الإمارات الداعمة لإثيوبيا في الحصول على منفذ بحري في صومالي لاند من جهة أخرى، ومن المحتمل بشكل كبير أن تدفع العملية الإمارات لتكثيف هجماتها -بطائرات دون طيار بداية- على الحركة، ومحاولة استقطاب عشائر معينة لتكوين ميليشيات خاصة موازية للقوات الحكومية وداعمة لها في حربها ضد التنظيم، وهو ما يزيد من التوتر الأمني والعشائري في البلاد، وهو بالضبط الجوّ الملائم لعودة ترسيخ حضور التنظيمات الجهادية في المشهد مرة أخرى.  

 



مواد ذات صلة
تحسُّن في العلاقات المغربية الكينية
وصول طلائع القوات الروسية إلى بوركينا فاسو