تصاعُد هجمات "فاغنر" على القرى الموريتانية في مالي

  • الرئيسية
  • تصاعُد هجمات "فاغنر" على القرى الموريتانية في مالي
Cass Banener Image
تصاعُد هجمات "فاغنر" على القرى الموريتانية في مالي

تصاعُد هجمات "فاغنر" على القرى الموريتانية في مالي


مساء 28 أيار/ مايو 2024 هاجم مسلحون ينتمون لميليشيا "فاغنر" قرية تدعى "محمود الملان" داخل الحدود المالية تعود ملكيتها مع ما فيها من حقول ومزارع لمواطنين موريتانيين، مما أدى لمقتل مالك القرية محمد ولد الشيخ محمد لغظف مع 6 من عماله، فيما هرب عامل آخر إلى قرية الشانتية القريبة منها، واستطاع إبلاغ أهالي القتيل بما جرى.  

لا تُعَدّ هذه الهجمة الانتهاك الأول من قِبل قوات فاغنر والجيش المالي في حق الموريتانيين القاطنين في مالي، فقد سبق ذلك العديد من الانتهاكات على مدار عام 2023 استهدفت القرى والمزارع التي يقطنها مواطنون موريتانيون داخل مالي بالقرب من الحدود الموريتانية، إلا أن الاستهداف الأبرز كان في منتصف نيسان/ إبريل 2024 ، حيث اقتحمت قوات من فاغنر عاملة مع الجيش المالي قريتَيْ "دار النعيم" و"مد الله" الموريتانيتين داخل موريتانيا في ولاية الحوض الشرقي قرب الحدود الجنوبية الشرقية.  

 

ردّ الفعل الموريتاني 

 

على نحو غريب فقد التزمت الحكومة الموريتانية الصمت تجاه اعتداءات فاغنر على الموريتانيين داخل الأراضي المالية، بالرغم من الروابط التاريخية للموريتانيين في المنطقة، خاصة قبيلة أولاد داود التي تنتشر في مناطق الجنوب الشرقي من موريتانيا وشمال مالي.  

منعت موريتانيا مواطني مالي منتصف نيسان/ إبريل 2024 من دخول أراضيها دون امتلاكهم لإقامات سارية المدة، وبالمثل فقد أغلق الجانب المالي الحدود في 16 نيسان/ إبريل واستمر الإغلاق المتبادَل لمدة أسبوع تقريباً.  

دفع الهجوم الذي انتهك الحدود الموريتانية مستهدِفاً قريتَيْ دار النعيم ومد الله، وزارة الخارجية الموريتانية لاستدعاء سفير مالي في نواكشوط في 19 من نيسان/ إبريل احتجاجاً على ما يتعرض له الموريتانيون من اعتداءات داخل مالي وموريتانيا، وقد تلا ذلك زيارة أمنية وعسكرية رفيعة المستوى من قِبل "السيد حِنِنّه ولد سيدي"، وزير الدفاع الموريتاني وقيادات أمنية للجنرال آسيمي غويتا قائد الانقلاب ورئيس المجلس العسكري الانتقالي في مالي لبحث انتهاكات فاغنر والجيش المالي في حق الموريتانيين، لِيَلِي ذلك تنفيذ الجيش الموريتاني بحضور الفريق "المختار ولد بلّا ولد شعبان" قائد أركان الجيوش الموريتانية مناورات عسكرية قرب المنطقة المهاجَمة في 5 أيار/ مايو 2024.  

 

هل ثَمَّة أسباب للاعتداء على الموريتانيين؟ 

 

تمتد الحدود بين مالي وموريتانيا من المثلث الجزائري مع الدولتين شمالاً وصولاً إلى السنغال جنوباً في حدود يبلغ طولها 2236 كيلومتراً، وفي ظل نزاع حدودي تطالب فيه موريتانيا بأجزاء واسعة من غرب مالي منذ عام 1963 ، وقد وصل الطرفان إلى حلول وسط تجعل القرى التي تقطنها القبائل الموريتانية الواقعة داخل الأراضي المالية بحكم الأراضي الموريتانية، فينالون الجنسية الموريتانية بموجبها، ويستطيعون التنقل بين البلدين بأريحية، وقد حرص الرئيس الموريتاني الأسبق "معاوية ولد الطايع" على تجنيس أكبر عدد ممكن من أبناء القبائل العربية المقيمة في مالي ليكونوا عمقاً إستراتيجيّاً لموريتانيا في مالي، وذلك تحسُّباً لأي نزاع عسكري قد يطرأ بين البلدين، وبالتوازي مع ذلك أطلق البلدان مشاريع تنموية متعددة، مثل مشروع تنمية حوض نهر السنغال ومشروع طريق باماكو/ نواكشوط الذي يربط عاصمتَي البلدين ببعضهما.  

حدثت خلال العقود الأخيرة عدة توتُّرات على الحدود بين البلدين، أبرزها عام 2010 عندما كادت العلاقات بين البلدين تصل إلى أزمة حرجة إثر شنّ القوات الفرنسية والموريتانية عملية عسكرية مشتركة ضدّ مقاتلي "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" داخل مالي دون موافقة الحكومة المالية آنذاك، وتصاعدت منذ عام 2022 عمليات تهريب المواشي والاعتداء على الموريتانيين داخل مالي، وقد دخلت فاغنر على خط الاعتداءات عام 2023 مما قد يزيد من حِدّة التوتُّر بين البلدين. 

تشير مصادر خاصة لمركز دراسات الأمن الإفريقي إلى أن كثيراً من كوادر وقيادات الانقلاب والمجلس العسكري الانتقالي في مالي ينتمون إلى قومية "البمبارة" التي عايش كثير من رُعاتها هجماتٍ متبادلة بينهم وبين رُعاة القبائل العربية والفلّانيين، وباعتبار أن قبائل أبناء داود هي القبيلة العربية الأكبر في العمق المالي المتصل بموريتانيا، فقد وضعت الزعامات العشائرية للبمبارة نصب أعينها إجلاء هذه القبائل من مناطقها لتتسع مناطق نفوذهم على حساب انحسار نفوذ القبائل العربية والفلّانيين في غرب مالي.  

مرّت الأزمات السابقة بتعهُّدات من قِبل شيوخ البمبارة للوجوه العشائرية في أبناء داود بعدم تكرارها مع دفع ديات القتلى، إلا أن الهجوم الأخير الذي وقع في 28 أيار/ مايو 2024 داخل العمق المالي على بُعد 14 كم من موريتانيا، أودى بحياة أحد الوجوه القبلية في مقاطعة باسكنو  شرقي موريتانيا، وينتمي لقبيلة "أبناء داود"، حيث كان في زيارة لمزرعته داخل مالي، وأدى إعدامه مع 6 من عماله داخل المزرعة لإجبار عدد من أهالي القرى الموريتانية المجاورة على الانسحاب من المنطقة، ومن ثَمّ طالب عدد من الوجهاء في المجلس الجهوي الموريتاني الحكومة بالرد على هذه الانتهاكات -بحسب المعلومات التي أوردتها جهات خاصة للمركز- إلا أن الحكومة لم تقم بأي فعل رغم مرور يوم كامل على الواقعة، مما دفع أبناء المقاطعة المذكورة للاستنفار في 29 أيار/ مايو الجاري، وخرج نحو 120 فرداً مسلحين واخترقوا الحدود مع مالي إلى منطقة مرجا التي تبعد عن الحدود الموريتانية 130 كم حيث اشتبكوا مع قاعدة مشتركة بين قوات فاغنر والجيش المالي، وقد ألقي القبض على عدد منهم، وقُتل آخرون وانسحب البقية إلى موريتانيا.  

 

الأزمة بين البلدين.. سيناريوهات وانعكاسات! 

 

قد تؤدي الأزمة المتكررة بوجهها الحالي لانعكاسات خطيرة وسيناريوهات عديدة على البلدين، خاصة مع الانقلابين المتتالييْنِ اللذيْنِ أطاحا بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا عام 2020 والرئيس المؤقت باه نداو عام 2021 وتشكيل المجموعة العسكرية المنقلبة لمجلس انتقالي يتخذ من معاداة الغرب وفرنسا سِمَةً أساسية وهدفاً إستراتيجيّاً والتوجُّه نحو روسيا -مع النيجر وبوركينا فاسو- لمنحها موقعاً مميزاً للنفوذ غرب إفريقيا والاستعانة بميليشيات فاغنر التي باتت رأس حربة في الحملة التي تهدف لتطهير غرب مالي من القبائل المرتبطة بموريتانيا، الأمر الذي يهدّد -في الوقت ذاته- موريتانيا ويهدف للضغط عليها لمنعها من الاستمرار في تعاونها مع أوروبا وحلف الناتو بمنحه موقعاً إستراتيجيّاً على ساحل الأطلسي، وبالتالي التأثير على مشاريع موريتانيا في استثمار احتياطياتها من الغاز الطبيعي ومشاريع الطاقة البديلة التي تخطط لتنفيذها بدعم أوروبي في مساحاتها الصحراوية.  

من المحتمل -في ظل استمرار الهجمات من قِبل فاغنر- أن يلجأ أبناء القبائل العربية والموريتانية إلى الضغط عسكريّاً على الجانب المالي مما يمكن أن يُفشِل الجهود المبذولة لعدم انجرار المنطقة إلى حرب بين البلدين، وبالتالي ستكون هذه اللحظة فرصة تاريخية للجماعات الجهادية لتعود لتصعيد نشاطها في موريتانيا مما سيؤثر سلباً على إنجازاتها الأمنية التي حققتها ضد القاعدة منذ عام 2010 ، كما أن ذلك سيؤدي إلى تعقيد الواقع الاقتصادي، ومنع البلدين من الاستفادة من مواردهما، حيث تستورد مالي المواد الغذائية بصفة رئيسية عَبْر ميناء نواكشوط والطرق البرية الموريتانية، وتستخدمها كذلك لتصدير بضائعها في حين أن موريتانيا ستتأثر مواردها من السلع الزراعية التي تستوردها من مالي، كما أن رُعاة المناطق الشرقية في موريتانيا وتجار المواشي سيتأثرون بفقدان أعلاف الرعي وإمكان نقل مواشيهم للمراعي الداخلية في مالي، وبالتالي احتمال نفوق عشرات آلاف الرؤوس من الجمال والأبقار.  

من المرجَّح أن تنظر موريتانيا إلى الخُطوات الأخيرة كتهديد أمني عالي المستوى قد يدفعها لتخفيض علاقاتها مع مالي وصولاً لسحب السفراء في حال استمرار الانتهاكات داخل الأراضي الموريتانية، أما إذا اقتصر الأمر على حملات تهجير الموريتانيين من قُراهم في مالي، فإن ذلك قد يدفع موريتانيا لأخذ زمام المبادرة للمطالبة بالعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود بين البلدين، بالتوازي مع إمكان الحفاظ على نبرة التصريحات الهادئة من قِبل المسؤولين الموريتانيين.  

  

  

 



مواد ذات صلة
جبهة نصرة الإسلام والمسلمين تغتال قياديّاً لداعش في بوركينا فاسو
الدور الإماراتي في انقلابات دول الساحل