تنظيم الدولة الإسلامية يتمدَّد في موزمبيق

  • الرئيسية
  • تنظيم الدولة الإسلامية يتمدَّد في موزمبيق
Cass Banener Image
تنظيم الدولة الإسلامية يتمدَّد في موزمبيق

تنظيم الدولة الإسلامية يتمدَّد في موزمبيق

 
مطلع آب/ أغسطس 2024 نُفّذت حملات عسكرية في منطقة ماكوميا التي باتت معقلاً لتنظيم الدولة في مقاطعة كابوديلغادو شمال شرقي موزمبيق، وذلك على طول غابات كاتوبا وموكوجو جنوب نهر ميسالو في المنطقة، وذلك على أمل مواجهة التنظيم ومنعه من التوسع تجاه مناطق إستراتيجية أخرى غربي المقاطعة. 

يمكن ربط هذه الحملة بانعكاسات عمليات داعش، منذ مطلع شباط/ فبراير 2024 تصاعد تهديد تنظيم الدولة في مساحات عدة في القارة الإفريقية، وكان من اللافت شدة الهجمات ضدّ المدنيين التي بات ينفذها في كل من الكونغو الديمقراطية وموزمبيق.
 

نفّذ التنظيم منذ العاشر من أيار/ مايو 2024 عشرات الهجمات في مقاطعة كابوديلغادو شمال شرقي موزمبيق ذات الغالبية المسلمة عموماً، وخاصة في منطقتَيْ ماكوميا وشيوري ذات الغالبية المسيحية خاصة، ومما يثير في هذه الهجمات أنها غالباً ما تكون عند الفجر حيث ينخرط فيها عشرات المسلحين الذين يهاجمون من اتجاهات متعددة فيحرقون المدارس وبعض المنازل والكنائس الموجودة، وفي الأثناء تتم مواجهة الدوريات العسكرية القريبة من المنطقة ويُفتَح الطريق لخروج الأهالي النازحين نحو المجهول. 
 

يُسلِّط هذا التكتيكُ الضوءَ على التحوُّل البارز في تكتيكات الجماعة من الغارات السريعة إلى تنفيذ عمليات معقَّدة أكثر تنظيماً ومتعددة الوسائل والآليات والوظائف. 
 

دلالات يجب الوقوف عندها
 

تُعَدّ البيانات التي يرصدها مركز دراسات الأمن الإفريقي حول الهجمات والاتصالات التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق مؤشراً على هذا التحوُّل خلال حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، مقارنة بعموم عمليات التنظيم خلال عام 2023، حيث اتسمت عملياته في العام الفائت بالارتجال والانتهازية، إلا أنها في الشهور الأخيرة تؤكد تطوُّرها إلى هجمات أكثر تعقيداً وجهود تجنيد موسَّعة.
 

تؤكد البيانات تضاعُف عمليات التنظيم خلال الشهور السبع الأولى من 2024 بمعدل 300% مقارنة بعملياته خلال المدة ذاتها من 2023، وبالرغم من توسُّع مناطق العمل نحو منطقة شيوري إلا أنها زادت من التكرار والتعقيد في مناطق مثل ماكوميا وكيسانغا وبالما في المقاطعة ذاتها، ويعكس ذلك تطوُّراً أعمق في التكتيكات العسكرية وإستراتيجيات التمدّد، حيث إن هذا التوسُّع بداية لإقامة وجود إقليمي موحَّد في المنطقة المطلّة على المحيط الهندي، وبالتالي فإن التنظيم يهتمّ الآن بالانتقال من السعي للحفاظ على البقاء ضِمن خلايا متفرقة إلى نهج أكثر تنظيماً يهدف للسيطرة على الأراضي وترسيخ حكم خاص به فيها.
 

يتسق هذا مع مؤشرات تصاعُد الأنشطة غير العسكرية في مقاطعة كابوديلغادو عموماً التي نفذها التنظيم مؤخراً، سواء من حيث تصعيد الحملات الدعوية للمسيحيين في المنطقة بهدف إسلامهم، أو تنفيذ المسابقات الدينية للمسلمين، ودعوتهم صراحة للانضمام إلى صفوف التنظيم كجنود في "ظل الخلافة" برواتب مالية مغرية بالتوازي مع فرض مظاهر معينة في القرى التابعة لمنطقة موكوجو شرق ماكوميا في كابوديلغادو، حيث حُظِرت قصّات الشعر التي لا تراعي الضوابط الشرعية، وكسّرت محلات بيع الكحول ومُنِع بيعها، كما مُنِع ارتداء السراويل الضيقة أو الممزقة ودعوة الناس إلى التوجُّه نحو المساجد ومغادرة المحال التجارية مع بَدْء نداء الأذان. 
 

أسباب مباشرة
 

يرتبط هذا التحوُّل ارتباطاً وثيقاً بإنهاء بعثة (SAMIM) العسكرية التابعة لمجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC)، التي كانت نشطة في موزمبيق منذ تموز/ يوليو 2021 حتى تموز/ يوليو 2024، حيث تتكوَّن من 1900 فرد من ثماني دول شرقي إفريقية كأوغندا ورواندا.
 

قدمت قوات SAMIM دعماً استخباراتياً وتكتيكياً ومادياً واسع النطاق للقوات الموزمبيقية، وقد نُشر نحو 1500 جندي في قاعدة ميهولوري على مشارف ماكوميا، إلا أن سحب هذه القوات أحدث فراغاً أمنيّاً واسعاً استغلّه تنظيم الدولة الإسلامية لتصعيد أنشطته في المنطقة.
 

وعلى سبيل المثال كان الهجوم على ماكوميا في منتصف أيار/ مايو 2024 نُفِّذ بنحو 250 عنصراً، يتبعون القيادي علي عليدة أحد أهم قيادات داعش العسكرية في موزمبيق والذي نفّذ -إلى جانب هذه العملية- هجوماً واسعاً على مدينة كيسانغا في آذار/ مارس 2024 ، وقاد هجمات التنظيم على معظم مناطق شيوري في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو وما زال يخطط في كيفية التصدي ومواجهة المجموعات المشتركة بين الجيش الموزمبيقي والقوات الرواندية والأوغندية مطلع آب/ أغسطس الجاري في مقاطعتَيْ ماكوميا وموسيمبوا دا بريا، وهي متزامنة مع المعضلة القانونية التي تمنع القوات الإفريقية في العمل في موزمبيق بالتوازي مع إنهاء مهامها، مما يستلزم صدور قرار آخر من المجموعة الإفريقية بالتوافق مع الاتحاد الإفريقي. 
 

تداعيات كبرى
 

من المرجَّح أن التداعيات الإستراتيجية لهذا التوسع ستكون كبيرة، فهي لا تأتي في سياق تكتيكي أو استعراضي، وإنما في سياق تنسيق عشرات الهجمات المعقدة بما يقوض قدرات قوات الأمن المحلية والجيش الموزمبيقي في مقاطعة كابوديلغادو بشكل شِبه كامل. 
 

كما أن الآثار المترتبة إقليميّاً على عودة ظهور تنظيم الدولة في موزمبيق مرة أخرى ستكون عميقة بالنسبة لمنطقة شرق إفريقيا، خاصة أن مقاطعة كابوديلغادو تحتضن أهم المشاريع الكبرى للغاز الطبيعي المسال شرق إفريقيا، وبالتالي فإن تصاعُد حضور التنظيم هناك سيهدد هذه الأصول الاقتصادية ذات الأهمية البالغة بشكل مباشر، كما أن النازحين من المنطقة نحو العمق الموزمبيقي تجاوزوا مئة ألف إنسان، وذلك سيؤدى إلى تفاقُم الأزمة الإنسانية بسرعة، ومن المرجَّح أن تشتد هذه الديناميكيات في الأشهر المقبلة. 
 

من المؤكد أنه -استناداً إلى الروابط التاريخية بين الخلايا التي شكّلت تنظيم الدولة الإسلامية في موزمبيق والشبكات الجهادية المحلية في تنزانيا وكينيا وجنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية- سيدفع التنظيم لتصعيد تعاوُنه الإقليمي، وبالتالي انتشار آثاره على نحو أوسع في البُلدان المجاورة لموزمبيق وصولاً إلى وسط إفريقيا ودول الساحل وجنوب الصحراء الكبرى.

 

 



مواد ذات صلة
حملات التهجير الجماعية في ولاية بلاتيو النيجيرية
منافسة الجماعات الجهادية و"فاغنر" على مناجم الذهب ومناطق النفوذ