تُعد ولاية بورنوBorno في شمال شرق نيجيريا بؤرة مزمنة للتوترات الأمنية منذ أكثر من عقد، نتيجة لنشاط الجماعات الجهادية المسلحة، لا سيما جماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا. (ISWAP)هذه المنطقة التي تشهد هشاشة أمنية وبنية تحتية ضعيفة، كانت مسرحاً لعشرات التفجيرات والكمائن والاغتيالات، حيث شكلت مدينة مايدوغوري Maiduguri، عاصمة الولاية، هدفاً متكرراً للهجمات نظراً لرمزيتها السياسية والإدارية.
الهجوم الأخير الذي شهدته الولاية، والمتمثل في تفجير انتحاري استهدف سوقاً شعبياً ومركزاً لتوزيع المساعدات الإنسانية، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 مدنياً وإصابة العشرات. وقع التفجير في وقت حساس من اليوم، قبيل صلاة المغرب، ما يدل على سعي منفذيه لتحقيق أعلى عدد من الضحايا. وقد استخدمت في العملية عبوة ناسفة يدوية الصنع حملها انتحاري وسط التجمعات المدنية، في تكتيك يعكس عودة الجماعات المسلحة إلى اعتماد الهجمات الانتحارية بعد فترة من الانحسار النسبي في استخدامها.
العملية تأتي بعد فترة من الهدوء النسبي في مايدوغوري، ما يجعلها صادمة على المستوى الشعبي والأمني، ويثير تساؤلات حول مدى تماسك الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في المنطقة.
أولاً: الجهات الفاعلة المحتملة
تشير المؤشرات الأولية إلى تورط جماعة بوكو حرام أو تنظيم الدولة – ولاية غرب إفريقيا(ISWAP) في هذا الهجوم، رغم غياب إعلان رسمي من أي من الفصيلين. يُعرف عن بوكو حرام استخدامها المتكرر للهجمات الانتحارية، خصوصاً عبر فتيات قاصرات أو نساء، وقد سبق أن استهدفت الأسواق والمدارس والمراكز الصحية في الولاية.
في المقابل، تتبنىISWAP عادةً تكتيك الكمائن ضد القوات العسكرية والهجمات الموجهة ضد رموز الدولة أو المنشآت الاستراتيجية، وتحرص على تجنّب ضرب المدنيين بشكل مباشر لكسب حاضنة شعبية، ما قد يجعل فرضية وقوفها خلف التفجير أقل ترجيحاً.
ومع ذلك، الانقسام بين بوكو حرام وISWAP لا يعني بالضرورة غياب التنسيق. فبعض التقارير الاستخباراتية تُلمح إلى تعاون ظرفي أو تقسيم أدوار بين الفصيلين، خاصة بعد مقتل زعيم بوكو حرام، أبو بكر شيكاو Abubakar Shekau، في 2021، حيث لجأت بعض المجموعات المتشددة إلى التمويه وتعدد الجبهات.
من جهة أخرى، لا يمكن استبعاد وجود خلايا محلية نائمة أو تعاون أفراد من السكان المحليين تحت الإكراه أو الدوافع الأيديولوجية أو حتى المادية. كما أن بعض التحليلات تشير إلى احتمالات تورط أو اختراق استخباراتي خارجي يهدف إلى زعزعة استقرار نيجيريا ضمن حسابات إقليمية أو دولية.
ثانياً: الأهداف والدلالات الاستراتيجية
يحمل التفجير دلالات استراتيجية تتجاوز كونه مجرد عمل إرهابي، ويمكن فهم الرسائل الكامنة فيه على النحو التالي:
• رسالة سياسية للحكومة الفيدرالية النيجيرية مفادها أن الجماعات المسلحة ما زالت قادرة على ضرب العمق الحضري رغم الحملات العسكرية، ما يُحرج السلطات أمام الرأي العام المحلي والدولي.
• استهداف خطط إعادة النازحين، حيث يأتي التفجير بالتزامن مع محاولات الحكومة النيجيرية تنفيذ برامج لإعادة آلاف النازحين داخلياً إلى مدنهم الأصلية في بورنو، مما قد يُفشل هذه الخطط ويُعزز من استمرار الاعتماد على المعسكرات.
• إرباك الاستقرار الأمني والاقتصادي، فولاية بورنو رغم ضعفها الأمني بدأت تشهد محاولات لتعافي بعض القطاعات الاقتصادية والخدمية، وجاء التفجير لزعزعة هذه الجهود وبثّ الرعب في نفوس السكان.
• تأكيد قدرة الفصائل على تجاوز الطوق الأمني المفروض حول مايدوغوري، وهو ما يُشكّل ضربة لمعنويات القوات الأمنية ويفتح الباب أمام انتكاسات جديدة في جهود مكافحة الإرهاب.
ثالثاً: التداعيات المتوقعة
على الوضع الأمني الداخلي:
سيؤدي الهجوم إلى تصاعد المخاوف الأمنية وتراجع ثقة السكان المحليين في قدرة الدولة على حمايتهم، كما قد يؤدي إلى زيادة عسكرة الحياة المدنية وتشديد الإجراءات الأمنية، ما يخلق توترات بين السكان والسلطات.
على التعاون الإقليمي:
ستُعيد هذه العملية تفعيل التنسيق الأمني مع تشاد والنيجر والكاميرون، خاصة عبر قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات.(MNJTF) غير أن هذا التعاون يظل هشاً بفعل اختلاف المصالح السياسية وضعف التمويل.
على الوضع الإنساني:
من المتوقع أن يرتفع عدد النازحين داخلياً مجدداً، مع موجة نزوح من المناطق المحيطة بموقع الهجوم. كما ستتأثر عمليات توزيع المساعدات الإنسانية سلباً بسبب زيادة المخاوف الأمنية لدى المنظمات الدولية والمحلية.
رابعاً: السيناريوهات المستقبلية المحتملة
السيناريو الأول: التصعيد الأمني والتوسع الجغرافي للهجمات
في حال عجزت الدولة عن فرض طوق أمني فعّال، قد تشهد المنطقة تصاعداً في وتيرة الهجمات وتوسعها جغرافياً لتطال ولايات مجاورة مثل يوبيYobe وأداماواAdamawa ، أو حتى العمق الكاميروني والنيجري. ستعتمد الجماعات على تفجيرات انتحارية تستهدف الأسواق والمدارس والمقار الحكومية، ما يعمق من حالة عدم الاستقرار.
السيناريو الثاني: الردع المؤقت عبر تدخلات عسكرية مكثفة
قد تتجه الحكومة إلى تكثيف العمليات العسكرية بدعم خارجي، لا سيما من بريطانيا والولايات المتحدة. ورغم ما قد تحققه من نتائج على المدى القصير، إلا أن هذه العمليات قد تُفاقم الانتهاكات ضد المدنيين وتُكرس مشاعر العداء تجاه الدولة، خاصة إن لم تُرافقها جهود تنموية ومجتمعية حقيقية.
السيناريو الثالث: تحرك سياسي وأمني متوازن
السيناريو الأكثر استدامة يكمن في مقاربة شاملة تشمل الأمن، الحوار المجتمعي، وتحسين الخدمات الأساسية. مع دعم من الاتحاد الإفريقي وشركاء دوليين، يمكن للسلطات أن تبني آليات للمصالحة المجتمعية وإعادة دمج المقاتلين السابقين، مما يؤدي إلى انخفاض تدريجي في العمليات المسلحة خلال السنوات القادمة.
خلاصة:
يُعيد تفجير بورنو التذكير بأن التهديد الإرهابي في نيجيريا لم ينته، بل يتجدد بأشكال وتكتيكات مختلفة، وأن الإجراءات العسكرية وحدها غير كافية لمواجهة هذه الظاهرة المعقدة، بل يجب أن تكون جزءاً من رؤية استراتيجية شاملة تعالج جذور التطرف وتُعيد بناء العقد الاجتماعي في مناطق الشمال الشرقي. من دون ذلك، ستظل مثل هذه التفجيرات ممكنة، بل ومُتكررة، على حساب أمن واستقرار ملايين المدنيين.