التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في عهد ترامب: التحديات والتحوُّلات والمسارات المستقبلية

  • الرئيسية
  • التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في عهد ترامب: التحديات والتحوُّلات والمسارات المستقبلية
Cass Banener Image
التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في عهد ترامب: التحديات والتحوُّلات والمسارات المستقبلية

التجارة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في عهد ترامب: التحديات والتحوُّلات والمسارات المستقبلية

بينما تسعى دول القارة الإفريقية لتعزيز فرص التجارة البَيْنيّة مع مختلف دول العالم يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربه التجارية على الصين، والتي لم تُوفّر باقي العالم بما في ذلك الحلفاء في الاتحاد الأوروبي.  

ينشر مركز دراسات الأمن الإفريقي ترجمة إلى اللغة العربية لمادة نشرها باللغة الإنكليزية موقع     Modern Diplomacy     وقد ناقش فيها كاتبها Kester Kenn Klomegah التحديات التي تواجه الدول الإفريقية بالتزامن مع حرب ترامب التجارية في العالم، وتوقّع مساراتها المستقبلية.  

نص الترجمة  

في ظلّ واقع جيوسياسي سريع التغير، يتّسم بالتعقيدات والتناقضات، تواجه أغلب الدول الإفريقية تحديات كبيرة في مجالَي التجارة والاقتصاد، ففي نيسان/ إبريل 2025 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سياسات تجارية جديدة عالمية، كان لها أثر لافت على القارة الإفريقية وعلى مستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا، والتي قد يطرأ عليها تحوُّلات مؤثرة.  

دلالات الحرب التجارية بين أمريكا وآسيا (خاصة الصين) للدول الإفريقية المُصدّرة  

إنّ الحرب التجارية القائمة مع الصين ليست مجرد نزاع ثنائي، بل جزء من مشروع أوسع وأجرأ لإعادة "عظمة أمريكا" كما تصوّره إدارة ترامب، فالرسوم الجمركية التي فُرضت على منتجات قادمة من معظم الشركاء التجاريين تعبّر عن طموح ضخم على الصعيد الداخلي، وبينما يراقب العالم تحرُّكات واشنطن في مناطق مثل غرينلاند والدنمارك، يبدو جلياً أن الإدارة تفضّل التعامل مع خصم واحد في "مسرح الصراع" المحتمل، وهو الصين.  

وفي هذا السياق، تستمر الإدارة الأمريكية في تجاهُل القارة الإفريقية، كما حدث خلال ولاية ترامب الأولى، ومع ذلك فإن دول إفريقيا تمتلك فرصة حقيقية لتعزيز حضورها وصياغة علاقات تنموية تصبّ في مصلحتها خلال السنوات الأربع القادمة، وربما خلال ولاية ثالثة لترامب، إنْ حصلت.  

تعدُّدية الأقطاب وتغيُّر ميزان القوى: هل أصبحت أمريكا في منافسة على الهيمنة التجارية؟  

إنّ صعود قُوى الجنوب العالمي (مصطلح الجنوب العالمي يشير إلى ما يُعرَف بـ "العالم الثالث"؛ أي إفريقيا وأمريكا اللاتينية والبُلدان النامية في آسيا) والإجماع المتزايد على أهمية التضامن والتعاون الدولي، كلها أمور اعتُبرت تهديداً للهيمنة الأمريكية. وفي ظلّ التحديات الداخلية في الولايات المتحدة والضغوط الخارجية من قُوى صاعدة، لم يكن مفاجئاً أن تعود واشنطن إلى خطاب "حماية المصلحة الوطنية"، حتى وإنْ جاء ذلك على حساب الآخرين.  

لقد أصبح واضحاً أن السياسات الأمريكية باتت تتصف بنزعة أنانية مفرطة، كما تظهر في التصريحات الرسمية، وأن إدارة ترامب تتصرف دون كثير من الاكتراث بشرعيتها الدولية أو انطباع الآخرين عنها.  

مستقبل العلاقات الثنائية بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة بعد تغيُّر السياسة الأمريكية  

إنّ العلاقات بين الدول -بما فيها العلاقات التجارية- متغيرة بطبيعتها، فالولايات المتحدة رغم قُرْبها تاريخياً من الاتحاد الأوروبي، لم تتردد في فرض رسوم جمركية مؤلمة على منتجاته، أما بالنسبة لجنوب إفريقيا فهي آتية من قارة نعتها ترامب في ولايته الأولى بأوصاف مهينة.  

لكن على الرغم من هذا الإهمال الأمريكي، تبقى هناك مساحة لتفاوض وشراكات تحقق مصالح متبادلة؛ إذ إن صعود قُوى الجنوب العالمي ليس وليد الصدفة، بل هو امتداد لحركات تاريخية مثل حركة عدم الانحياز ونضالات التحرر، التي تم الاعتراف بها في قرارات الأمم المتحدة، والتي من الصعب التنكر لها اليوم.  

التوسع في التجارة ضِمن إطار قانون النمو والفرص في إفريقيا AGOA بالتوازي مع الدعوة للتحوّل عن الاعتماد على الدولار  

إنّ ما يُعرف بـ "التحوّل عن الاعتماد على الدولار الأمريكي" لم يكن يوماً مطلباً رسمياً من تكتُّل البريكس (BRICS)، بل إنّ ما دعا إليه التكتل منذ تأسيسه عام 2009 هو إصلاح الهيكل المالي العالمي ونظام الحوكمة الدولية اللذيْنِ يعانيان، بحَسَب وصفه، من اختلالات بِنْيوية مزمنة تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث صُمم النظام العالمي بطريقة تكرّس الهيمنة، وتُقصي العديد من الدول النامية.  

بالإضافة لذلك، يدعو تكتل دول البريكس إلى تعدُّدية قطبية حقيقية تُمكن جميع الدول من إسماع صوتها، وتضع مصالحها وتطلُّعاتها على قَدَم المساواة، مشيراً إلى أن الهدف من التبادل التجاري بالعملات المحلية أو بنُظم دفع بديلة لا يعني القطيعة مع النظام العالمي أو مع الدولار الأمريكي، بل هو خيار يفرضه السعي نحو تنمية مستقلة وسيادة اقتصادية.  

أما فيما يتعلق بعلاقة جنوب إفريقيا بـ "قانون النمو والفرص في إفريقيا AGOA"فهو تشريع أمريكي صدر في عام 2000 يهدف إلى تعزيز التجارة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ويسمح هذا القانون للدول المؤهَّلة بتصدير عدد كبير من المنتجات إلى السوق الأمريكية دون فرض رسوم جمركية، ما يساعد على دعم التنمية الاقتصادية وزيادة فرص العمل في تلك الدول، وهو ترتيب أحادي الجانب من طرف الإدارة الأمريكية، وليس اتفاقاً ثنائياً أو متعدد الأطراف، وبالتالي فإن استفادة جنوب إفريقيا منه لطالما كانت عرضة للمراجعة، ومع ذلك فإن العديد من المنتجات الجنوب إفريقية يتم تصديرها خارج إطار AGOA، مما يدل على وجود بدائل ومرونة في السياسات التجارية.  

لذلك ينبغي على الدول الإفريقية -وفي مقدمتها جنوب إفريقيا- العمل على التفاوض لتحقيق أفضل النتائج الممكنة، وفي الوقت ذاته تعزيز الاعتماد على الذات والسيادة الاقتصادية، بما يتماشى مع التحوُّلات الجيوسياسية الراهنة وتغيُّر ميزان القُوَى العالمي.  

ماذا لو أغلقت أمريكا أبوابها كلياً أمام إفريقيا وأوقفت AGOA والمساعدات؟  

إنّ تراجُع الولايات المتحدة عن العمل وَفْق قانون  AGOAأو تعليق المساعدات -مثلما فعلت سابقاً عَبْر تجميد أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وهي الذراع الرئيسي للحكومة الأمريكية في تقديم المساعدات الخارجية للدول حول العالم- سيكون له آثار واضحة، خاصة على البرامج الاجتماعية والتنموية. ومع ذلك فإن جنوب إفريقيا ليست دولة تعتمد على المساعدات، وسيبقى المجال مفتوحاً لإعادة صياغة العلاقات مع واشنطن بطريقة تحفظ المصالح الإفريقية.  

في مثل واقع كهذا، تظهر ضرورة تحوُّل دول القارة نحو الاعتماد على الذات، وتركيز جهودها على تعبئة الموارد الداخلية من أجل تنمية سيادية ومستدامة.  

منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA): هل تُمثّل بديلاً حقيقياً؟  

لن يتوقف العالم عند الحروب التجارية الأمريكية، فكل دولة لديها مصالح مشروعة، وإفريقيا ليست استثناء في هذا الإطار، إذ إن لدول القارة مصالحَ مستقلة جماعية وفردية تخصّ كل دولة.  

إنّ منطقة التجارة الإفريقية الحرة هي مشروع إفريقي بامتياز، لا علاقة له بأطراف خارجية، ورغم العقبات، فهو يمضي قُدُماً، وينبغي أن يستمر بقوة.  

إنّ المساعدات التنموية العالمية في تراجُع مستمر، بينما تزداد النفقات العسكرية، وحتى مؤسسات التمويل الدولية بدأت تتصرف وَفْق تحالُفات جيوسياسية.  

وختاماً، من الواضح أن ما يميز مواقف ترامب هو وضوحها الصارخ، حيث لم تَعُدْ تتقِن فنّ التغطية الدبلوماسية، ما يعكس حقيقة التوجُّهات الأمريكية دون مُوارَبة.  

 

المصدر:  Modern Diplomacy 

ترجمة:عبد الحميد فحام  

 

 



مواد ذات صلة
تراجع الديمقراطية في إفريقيا مأزق يهدد مصالح الولايات المتحدة
إصلاح العلاقة المتصدِّعة بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة