خلال المدة الممتدة بين كانون الأول/ ديسمبر 2023 ومنتصف كانون الثاني/ يناير 2024 شهدت ولايات بينو وتارابا وبلاتيو النيجيرية نشاطات واسعة لتنظيم الدولة -ولاية غرب إفريقيا- (ISWAP)، مما أدى لمقتل عشرات المواطنين من القرى والبلدات المسيحية، ونزوح ما يزيد عن ثلاثين ألف إنسان داخليّاً منها.
وقد تصاعدت حِدّة هجمات داعش في هذه الأقاليم -رغم عدم حضورها فيها- على القرى المدنية غير المحميّة أمنيّاً وعسكريّاً بشكل مفاجئ، حيث لم تشهد هذه الولايات سابقًا هجمات متطرفة بالرغم من المؤشرات الكبيرة على الانفلات الأمني في هذه الولايات، كانتشار عصابات خطف المواشي في أرجائها، واستقرار عدد من عصابات الجريمة المنظمة المتخصصين في خطف طلاب الثانويات عموماً -والفتيات خصوصاً- بهدف مبادلتهم بالفدية.
تركّزت هذه الهجمات في ثلاث مناطق من ولاية بلاتو (Plateau) شرقي العاصمة أبوجا، في كلٍّ من بلدة بوكوس (Bokkos) وباركين لادي (Barkin-Ladi)، وبوشيت (Pushit).
كان العنف الطائفي في الهجمات بادياً، فقد أدت الهجمات لإحراق 8 كنائس ومقتل نحو 180 مدنيّاً تقريباً، بينهم 8 من رجال الكنيسة، وتُعَدّ هذه الهجمات الأولى من نوعها -بالتوازي مع عمليات أمنية أخرى لداعش في ولاية نصراوة المتاخمة للعاصمة أبوجا من جهة الشرق- في هذه الولايات ذات الكثافة السكانية للأقلية المسيحية.
ومن المؤكد أن تنظيم الدولة أراد بهذه العمليات إثارة الفوضى الطائفية في هذه الولايات وزيادة الضغط على الأجهزة الأمنية والاقتصاد النيجيري من خلال إجبار الآلاف على النزوح الداخلي إلى ولايات أخرى، حيث نزح من ولاية بلاتيو وحدها ثلاثة وعشرون ألف نسمة داخلياً، وسبعة آلاف في الهجمات التي وقعت في ولايتَيْ تارابا وبينو.
أدت الهجمات الأخيرة إلى تصاعُد نبرة المعارضة -المسيحية خصوصاً- ضد الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، حيث طالبته عدة منظمات مسيحية بإقالة قيادات من الجيش والأمن القومي بسبب "إهمال الأمن في الولايات ذات الغالبية المسيحية"، كما انتقد العديد من رؤساء الكنائس وآبائها تأخُّرَ الرئيس في إدانة هذه الهجمات وتعزية المصابين وأهالي القتلى.
من ناحية أخرى، تؤكد معلومات -من مصادر خاصة- أن المهاجِمين ينتسبون -في معظمهم- لقومية الرعاة الفولاني، وهذا يشير إلى سياقين أساسيين، أولهما: إثارة النعرات القومية بين الفولاني المسلمين وقبائل الإيغبو واليوروبا المسيحية في نيجيريا، خاصة أن هذه القبائل تتنافس باستمرار على موارد الرعي، وعادة ما تحصل بينها اقتتالات بينيّة طارئة، إلا أن هذه الهجمات تأتي بهدف استعادة الصدامات المحلية بين الطرفين، وتصعيد العنف المتبادَل كما جرى في عامَيْ 2001 و2008 في الصدامات في مدينة "جوس" (jos) عاصمة ولاية بلاتيو، وكانت سببًا في ظهور حركة بوكو حرام في ولاية برنو -ردًّا على الصدامات المسيحية المسلمة- عام 2008 نفسه. ثانياً: استقطاب العناصر السلفية النيجيرية للقتال ضد المجتمعات المسيحية في نيجيريا، وبالتالي إثارة المزيد من الفوضى في البلاد.
قد يشكّل المزيد من هذه العمليات في الولايات المسيحية اندفاعاً نحو تشكيل ميليشيات محلية -مسيحية- مسلّحة، أسوة بالميليشيات المحلية المسلحة -الدفاع الوطني- التي دعم الجيش تشكيلها في ولاية برنو، مما قد يصعّد من مخاطر ظهور حرب أهلية لاحقاً، نظراً لاحتمال عدم الانضباط العسكري في هذه الميليشيات والتعاون مع عصابات قطع الطرق لإثارة المزيد من الفوضى في المنطقة، ودخول البلاد في دوامة أكبر من العنف المستدام.