تفاهُمات تشاد والمجر.. مسار جديد في العلاقات الأوروبية الأفريقية

  • الرئيسية
  • تفاهُمات تشاد والمجر.. مسار جديد في العلاقات الأوروبية الأفريقية
Cass Banener Image
تفاهُمات تشاد والمجر.. مسار جديد في العلاقات الأوروبية الأفريقية

تفاهُمات تشاد والمجر.. مسار جديد في العلاقات الأوروبية الأفريقية

وصل بتاريخ 7 أيلول/ سبتمبر 2024 الرئيس التشادي "محمد إدريس ديبي إتنو" إلى العاصمة المجرية "بودابست"، حيث التقى رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان"، ووقَّعا على اتفاقية شراكة إستراتيجية في الدفاع والاقتصاد والتعليم، تشمل قرضاً ماليّاً ومساعدات عينيّة، قيمتها الإجمالية جميعها تتراوح بين 150 حتى 200 مليون يورو، بهدف تعزيز جهود "تشاد" في مجالات الدفاع والثروة الحيوانية، والزراعة وصناعة الأغذية وإمدادات المياه والتحوُّل الرقمي.  

دعم الدفاع لمواجهة الهجرة غير الشرعية  

في سياق الزيارة، بادرت الحكومة المجرية بتخصيص 14 من أصل 18 مليون يورو مقدَّمة لـ "صندوق السلام الأوروبي" الذي تساهم فيه مع "الاتحاد الأوروبي" بهدف تطوير الإمكانات الدفاعية لـ "تشاد"، والاتفاق على تحويل البعثة الدبلوماسية المجرية في العاصمة التشادية "نجامينا" إلى سفارة دائمة، بهدف ترسيخ تعاون أكثر فعالية بين البلدين، خاصة أن "تشاد" هي واحدة من أهم النقاط الأساسية لطريق الهجرة غير الشرعية في القارة الأفريقية.  

تضمنت الصفقة جزءاً آخر، هو سعي "المجر" لإرسال ما لا يقل عن 200 جندي إلى "تشاد"، وبالرغم من أنَّ تسريبات حول الموضوع انتشرت منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 في سياق موافقة البرلمان المجري على قرار نشر القوات المجرية خارج البلاد في حال اقتضت الحاجة، إلا أن الحكومة المجرية لم تؤكد هذا الخبر إلا مع زيارة الرئيس التشادي لبلادها.  

علاقة إستراتيجية أم زيارة عابرة؟  

من المرجَّح أن "تشاد" و"المجر" تسعيان لبناء شراكة بَيْنيّة تُمكّن "المجر" من تهيئة موطئ قدم لها في إفريقيا، حيث يمكن أن تقدم "المجر" نفسها للاتحاد الأوروبي بأنها قادرة على الإسهام في مكافحة حملات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى الاتحاد الأوروبي عَبْر تعاوُنها الإستراتيجي مع "تشاد"، إلا أن هذا لا يتحقق دون دعم الاقتصاد والاستقرار فيها، حيث إنها تطلّ على دول منطقة الساحل، وتُعَدّ بوابة رئيسية للعبور إلى "ليبيا" وصولاً إلى أوروبا.  

في هذا السياق، يلاحَظ أنَّ العلاقات بين البلدين شهدت تطوُّراً لافتاً منذ سنوات، حيث أنشأت "المجر" عام 2018 "المركز الإقليمي للتنمية والمساعدات الإنسانية"، وجعلته منذ ذلك الحين مقرّاً لبعثتها الدبلوماسية، حتى تم تحويله مقراً للسفارة المجرية في "تشاد" في أيلول/ سبتمبر 2024 بعد أن تعهد وزير الخارجية المجري بذلك في آذار/ مارس من العام نفسه.  

اللقاءات التحضيرية المتعلقة بنشر القوات المجرية في تشاد حضرها كاملة (بحسب مصادر خاصة لـ "مركز دراسات الأمن الأفريقي") الضابط في القوات المجرية الخاصة "غاسبر أوربان" نجل رئيس الوزراء المجري، والذي تربطه علاقات شخصية منذ عام 2018 مع "كريمو ديبي" الأخ غير الشقيق للرئيس، ويتبادل الطرفان اللقاءات على نحو مستمر منذ ذلك الحين، في إطار ما يُعرَف بـ "الدبلوماسية العائلية"، حيث تَحوَّل "غاسبر أوربان" و"كريمو ديبي" إلى ضابطَي ارتباط بين بلديهما.  

ديبي وأوربان.. إستراتيجية البحث عن النفوذ!  

تقع "تشاد" في نقطة جغرافية تحوّلت منذ عام 2020 إلى مركز مستقر في بؤرة من الصراعات المتزايدة، انطلاقاً من دول الساحل وانقلاباتها المتتالية وتزايد نفوذ الجماعات الجهادية فيها، ثم اندلاع الحرب الداخلية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني منذ نيسان/ إبريل 2022، وتستقبل "تشاد" ما يزيد عن 500 ألف سوداني في أرضها إلى جانب عشرات الآلاف من "النيجر" و"نيجيريا".  

هذه الظروف تتيح لكل من "المجر" و"تشاد" فرصاً إستراتيجية وسياسية في المنطقة، حيث تستطيع "المجر" القيام بدور وقائي في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتوسيع استثماراتها في "تشاد" التي تمتلك موارد اقتصادية كبيرة.  

"المجر" لم تشارك في أي مهمة عسكرية خارج حدودها منذ آب/ أغسطس 2021، بعد خروج قواتها من "أفغانستان"، وبالتالي فإنَّها ترى دوراً جديداً بالمشاركة في تدريب القوات التشادية والعمل على مكافحة الهجرة غير الشرعية، يمكن أن تؤدّيه في سياق إثبات حضورها دوليّاً في أحد الملفات الشائكة إفريقيّاً وأوروبيّاً، خاصة بعد انسحاب عدة دول غربية مثل "فرنسا" و"الولايات المتحدة" من "النيجر" و"مالي" عامَيْ 2023 و2024.  

بالتوازي مع ذلك، تؤكد بعض المصادر أن رئيس الوزراء المجري "أوربان" لديه رغبة عالية في البحث عن النفوذ والسلطة، ويرى في الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مثالاً له، وهو يحاول تسجيل نقاط سياسية في وقت فقدت فيه بعض دول "الاتحاد الأوروبي" مثل "فرنسا" شعبيتها في دول الساحل، إضافة إلى توجُّهاته اليمينيّة تجاه اللاجئين غير الشرعيين في أوروبا من جهة، وموقفه من بعض الأيديولوجيات التي تنتمي لليبرالية الجديدة من جهة أخرى.  

أما بالنسبة للرئيس التشادي، فإن الشراكة العسكرية والاقتصادية مع "المجر" ستعزز سلطته ونفوذه في الإستراتيجيات الدفاعية للبلاد، وتزيده قرباً من المسار الروسي مقابل الفتور مع المسار الأوروبي والغربي على العموم، وقبوله بحضور "المجر" قوةً أجنبية في بلاده يتضمن رسالة للمجتمع المحلي والمجتمع الدولي على حد سواء، حيث يبعث ذلك إشارات لمنافسيه من قبيلة "الزغاوة" التي ينتمي إليها، وإلى الجهات المحلية الأخرى، وإلى الجهات الخارجية ومنها السودانية، بوجود قوات أجنبية في البلاد قادرة على حمايته إذا ما تعرّض للتهديد المباشر.   

 



مواد ذات صلة
الدور الإماراتي في انقلابات دول الساحل
لقاء ليبي ثلاثي في القاهرة