ترى الشعوب في دول إفريقيا -وخاصة شبابها- أن الغرب الأوروبي والأمريكي ما يزال يتعامل مع القارة السمراء الغنية بالطريقة الاستعمارية التقليدية، في الوقت الذي تمتد فيه الصين وروسيا في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية وحتى العسكرية.
يقدم "مركز دراسات الأمن الإفريقي" مقالاً مترجماً، نشره موقع CNBC Africa يناقش فيه دوغان فلانكين Duggan Flanakin رأي الشباب الإفريقي في السلوك الغربي، ورأيهم في طبيعة تأثير كل من روسيا والصين، وفرصهما في القارة الإفريقية ودولها.
نص الترجمة:
نجحت كل من روسيا والصين في كسب تأييد الشباب في إفريقيا، من خلال التأثير على أفكارهم ومشاعرهم، دون منافسة تُذكر، بحسب نتائج استطلاع الرأي الذي قامت به مؤسسة إيتشيكويتز Ichikowitzللشباب الإفريقي لعام 2024، وهو استقصاء تجريه المؤسسة سنوياً منذ عام 2020.
مع اقتراب دخول الحرب بين روسيا وأوكرانيا عامها الثالث دون وجود ما يشير إلى قرب نهايتها، وفي ظل تصاعُد التوتر بين إسرائيل وإيران، غالباً ما تبدو القضايا الإفريقية مجرد أمور ثانوية فيما يتعلق بالتخطيط الإستراتيجي الغربي.
ركزت الدول الغربية خلال القرون الماضية على مجرد استخراج الثروات المعدنية من إفريقيا، وغالباً ما كان يحدث ذلك عَبْر تقديم الرشوة للحكام المستبدين، بدلاً من بناء تحالفات مع الشعوب الموجودة في 54 دولة إفريقية، ومع تخلص الدول الإفريقية من قيود الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية كانت شعوب تلك الدول يائسة إلى درجة جعلتها تضع ثقتها في دكتاتوريين فاسدين ملؤوا جيوبهم من مقدرات البُلدان التي يحكمونها بعدما باعوا تلك المقدرات الوطنية لأبناء أسيادهم المستعمرين السابقين.
أظهرت استطلاعات رأي الشباب الإفريقي لأعوام 2022 و2023 و2024 أن شباب إفريقيا اليوم الذين سيشكلون في غضون 6 سنوات ثلث نسبة الشباب في العالم يشعرون بإهانة شديدة بسبب فساد قادتهم وبسبب أولئك الذين غذوا ذلك الفساد بالمال والسلطة، وقد كشفت نسخة 2024 من استطلاع الرأي أنَّ ما يقرب من 60% من بين 5604 أفارقة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً تم استطلاع آرائهم في 16 دولة يريدون مغادرة بلدانهم بسبب الفساد المستشري فيها.
كشف استطلاع الرأي أن تأثير روسيا في إفريقيا قد ازداد منذ عام 2020، حيث ذهب 41% من الأشخاص المشاركين في استطلاع الرأي إلى أن روسيا تعد مؤثراً أجنبياً رئيسياً في القارة، ويرى 68% من المشاركين أن التأثير الروسي إيجابي، ويرتبط هذا التحول بشكل خاص في مالاوي وجنوب إفريقيا (لصالح زيادة التأثير الروسي في إفريقيا) بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، وقدرة روسيا على إزاحة أوكرانيا من تصدرها الموردين للحبوب والأسمدة، ويعتقد ثلثا المشاركين في استطلاع الرأي أنَّ الحرب كان يمكن تجنبها، ويحمّل ما يقرب من ثلثهم المسؤولية فيها على حلف الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يشير آخِر التقارير الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجيةCFR إلى أن التركيز العسكري الروسي ينصبّ في الأغلب على تجارة الأسلحة وإنشاء القواعد العسكرية الجديدة، وعلى الصعيد الدبلوماسي تعمل روسيا مع شركات عسكرية خاصة وحلفاء سياسيين محليين لاستغلال المشاعر المعادية للاستعمار، بينما تأتي روسيا في مراتب متأخرة فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي وفي حجم تجارتها مع الدول الإفريقية، حيث تتأخر عن الولايات المتحدة التي يبلغ حجم تجارتها 64 مليار دولار وعن الصين بحجم تجارة يبلغ 254 مليار دولار، وتركز روسيا إلى حد كبير على الذهب والماس واليورانيوم والنفط. (حجم التجارة الروسية مع الدول الإفريقية 18 مليار دولار أمريكي فقط، بحسب التقرير).
يشير التقرير أيضاً إلى أن الإحباط المستمر من إخفاقات التدخل الغربي، والاستياء المتزايد بسبب نقص التمثيل الإفريقي في المؤسسات الدولية قد أسهم في زيادة الدعم لروسيا في إفريقيا.
يشير رجل الأعمال الذي يعمل في القطاع الخيري من جنوب إفريقيا إيفور إيتشيكويتز Ivor Ichikowitz، صاحب المؤسسة التي تقوم بتمويل استطلاع رأي الشباب الإفريقي، إلى أن ما يقارب 30% من الأصوات في الأمم المتحدة من الدول الإفريقية، إلا أنه لا يوجد أي دولة من إفريقيا تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
إن تزايُد تدخُّل الصين في الدول الإفريقية يشكل تهديداً أكبر بكثير للغرب، وكذلك للقادة الأفارقة غير المتيقظين لخداع المعاملة الصينية الدمثة التي يتلقاها العديد منهم، ووفقاً لكوبوس فان ستادن Cobus van Staden مدير تحرير مشروع الصين والجنوب العالمي في المعهد الجنوب إفريقي للشؤون الدولية، فإن رئيس الصين يرسل إشارات تضامُن مع الدول الإفريقيةمن خلال التأكيد على وضع الصين (المذكور في اتفاقيات باريس) بأنها دولة نامية، بينما يتجنب اتباع سياسات المساعدات الأمريكية والأوروبية التي غالباً ما تأتي مصحوبة بشروط صارمة ومحاضرات توجيهية.
ونتيجة لهذه المعاملة حصلت بكين على نتائج مذهلة، حيث يتم إرسال خُمس صادرات إفريقيا إلى الصين، بما في ذلك المعادن والمنتجات المعدنية والوقود، وقد تضاعفت تلك الصادرات الإفريقية إلى الصين أربع مرات منذ عام 2001. في المقابل تُعَدّ الصين المصدر الأساسي للسلع المصنعة والآلات التي تستوردها الدول الإفريقية، وميزان التجارة (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) يميل بشكل كبير لصالح الصين، أي أن الصين تستفيد اقتصادياً أكثر في هذه العلاقة التجارية، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
يقول فان ستادن: إنَّ منتدى التعاون الصيني الإفريقي لعام 2024 انتقل من التركيز التقليدي على تقديم المساعدات فقط، واتجه إلى العمل على مستوى أعلى، من خلال تقديم التزامات تمويل متتالية وتوسيع نطاق استجابته لمطالب الدول الإفريقية.
يضيف فان ستادن: إن القمم الغربية التي تجمع إفريقيا ودول أخرى غالباً ما تقع في خطأ عقلية التعامل مع إفريقيا على أنها دولة واحدة، بينما تتميز الصين بمهارتها في إجراء المفاوضات الثنائية مع كل دولة على حدة، ومع ذلك فإنَّ هناك نقطة ضعف في طريقة تعامُل الصين مع الدول الإفريقية تتمثل في إعادة تدوير الأموال القديمة المخصصة للمشاريع، فيتم استثمارها في مشاريع جديدة، في حين أن المشاريع الأصلية لم يتم تنفيذها أو تحقيقها بشكل كامل.
والسؤال: كيف ينظر الشباب الإفريقي إلى الصين؟
بحسب استطلاع الرأي للشباب الإفريقي لعام 2024، يرى 76% من المشاركين أن الصين هي القوة العالمية الأكثر نفوذاً، ويصف 82% طبيعة النفوذ الصيني بأنه إيجابي، وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، حيث إن نسبة 70% يرونها مؤثرة و79% منهم يرون بأنها تنظر بإيجابية تجاه دولهم، بينما تراجعت مكانة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا بشكل كبير ضِمن القوى المؤثرة في إفريقيا.
الباحثة ميشيل غافين Michelle Gavin في مذكرة عالمية صدرت حديثاً عن مجلس العلاقات الخارجية (CFR) حول تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على السياسة الإفريقية ذكرت أن السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا ليست ذات أهمية كبيرة لأي من مرشحي الرئاسة الأمريكية، لا في برامج السياسة الخارجية الخاصة بهم ولا في مناقشاتهم، وأضافت أنَّ الصراعات التي تواجهها أمريكا بشأن نزاهة الانتخابات والعنف السياسي تقوّض ثقة الأفارقة في مسألة أن الولايات المتحدة ما زالت تُعَدّ منارة للديمقراطيات الإفريقية.
وتقول غافين: إذا عاد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية فإن إفريقيا ستكون مجرد أمر ثانوي في سلّم أولويات إدارته، وفي المقابل فإن إدارة هاريس التي يصعب التنبؤ بها لا تزال غير مرنة، وبطيئة الاستجابة، أو حتى غائبة تماماً عن التعامل مع قضايا إفريقيا، وتضيف أن ما تحتاجه السياسة الخارجية الأمريكية في إفريقيا ليس مجرد تغيير في الأشخاص المسؤولين، بل تغيير أوسع في العقلية وطريقة التفكير، حيث يجب على صانعي السياسة الأمريكيين أن يدركوا أن القوى الكبرى والمتوسطة الأخرى كانت أكثر طموحاً في تعامُلاتها مع إفريقيا لسنوات، وغالباً ما كان ذلك على حساب المصالح الأمريكية.
إن الدول الإفريقية تتجه إلى تجاوز مرحلة ما بعد الاستعمار، نحو ممارسة نفوذ أقوى في مستقبل سلاسل التوريد الحيوية والمؤسسات والمعايير الدولية للجيل القادم، وتؤكد غافين أن أي شخص جادّ بشأن السياسة الخارجية الأمريكية عليه أن يسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة بين المصالح الأكثر إلحاحاً للأفارقة ومصالح الولايات المتحدة.
وعلى نفس المنوال يدعو إغوسا أوساغهاي Eghosa E. Osaghae المدير العامّ للمعهد النيجيري للشؤون الدولية ضِمن مذكرة مجلس العلاقات الخارجية (CFR)إلى إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وبينما يشير إلى الدور الحاسم للولايات المتحدة في استقرار القارة الإفريقية وتطوُّرها، يضيف أن هناك تصوُّراً واسع الانتشار في كل دول إفريقيا بأن أهمية القارة الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة قد تراجعت، مما أدى إلى الإهمال ونقص التعاطف.
ويقول: إن الانخراط الأمريكي في إفريقيا ركز بشكل أساسي على التدخُّلات الإنسانية والديمقراطية على حساب التفاعلات الأكثر أهمية المتعلقة بأهداف التنمية، مثل تقليل مشاكل الديون، وتخفيف هشاشة الدول، ومعالجة أضرار تغيُّر المناخ، وقد أدى هذا الإهمال إلى تزايُد حالة الاستياء من الولايات المتحدة وأوروبا، وهو السبب الرئيسي الذي أدى إلى توسع نفوذ الصين وروسيا بسرعة.
يحذر أوساغهاي من أن إعادة ترتيب العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا تُعَدّ ضرورة مطلقة إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في المنافسة بنجاح مع الصين وروسيا في القارة الإفريقية، لكنه مع ذلك -وبغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية- يرى أن فرص حدوث هذا التحوّل الجذري "ضئيلة جداً".
يؤكد إيتشيكويتز على ضرورة أن ينتبه العالم إلى القوة الناشئة في إفريقيا، وهي الشباب الإفريقي، وباعتبارهم الفئة السكانية الأسرع نمواً، فإنهم يشكلون نبض المستقبل، ومع ذلك يخشى إيتشيكويتز أنه ما لم تتعامل الدول الغربية مع الشباب الإفريقي بجدية أكبر، فقد يصبحون مجرد متفرجين سلبيين في عالم يحكمه الأثرياء والأقوياء.
من المؤسف أن صُنّاع السياسات الغربيين يواصلون مطالبة الأفارقة بالامتثال للمعايير الغربية التي غالباً ما لا يمكن تحقيقها، حيث لا توجد كهرباء أو صرف صحي أو بِنْية تحتية أساسية، بينما في الوقت نفسه تنظر روسيا إلى القارة كما فعل الغرب لقرون من الزمان، على أنها مصدر للثروة ومنفذ لقوتها، أما الصينيون فهم ينظرون إلى أنفسهم على مدى أكثر من 5 آلاف عام على أنهم المتفوقون ثقافياً، وهو ما يجعل الشراكات القائمة على مبدأ المساواة بين الأفارقة والصينيين محكوماً عليها بالفشل.
يجب أن تركز إعادة ترتيب السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا على تطوير الإمكانات الكاملة لشباب إفريقيا، الذين كما يشير إيتشيكويتز "لم يعودوا راضين عن كونهم مجرد متفرجين غير فاعلين، بل هم مستعدون لتغيير الطريقة التي يتم بها تصويرهم أو تمثيلهم في الخطابات العامة، بما في ذلك الخطابات السياسية والاجتماعية والثقافية، ولديهم النية في أن يكونوا فاعلين في كتابة تاريخ جديد للقارة السمراء."
ويخلص إيتشيكويتز إلى أن "الغرب لم يَعُدْ بوسعه أن يتجاهل الواقع: فالانسحاب من إفريقيا وتجاهل الشباب الإفريقي سوف يُخلّف عواقب بعيدة المدى، وهذا ليس نداء لجذب الانتباه وكسب التعاطف؛ بل هو مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة".
المصدر: (CNBC Africa)