أبدت إسرائيل منذ فترات بعيدة، اهتماماً خاصّاً بجمهورية تشاد بحكم موقعها الإستراتيجي الواقع في قلب القارة الإفريقية من جهة، ومجاورتها للعالم العربي من جهة أخرى، والرابط بينه وبين العمق الإفريقي منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، حيث تُعَدّ تشاد من أوائل الدول الإفريقية -جنوب الصحراء- التي افتتحت فيها إسرائيل سفارة دبلوماسية.
وقد رافق تلك العلاقات اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة، أبرزها المجال العسكري، حيث يقوم بموجبها ضباط عسكريون وخبراء إسرائيليون بتدريب الجيش التشادي، مع تصاعُد توافُد رجال الأعمال الإسرائيليين بهدف الاستثمار في تشاد، فأسسوا العديد من الشركات التجارية فيها، إلا أن تشاد أعلنت عن قطع العلاقات مع إسرائيل أواخر عام 1972 إثر ضغوط عربية وإفريقية تضامناً مع مصر وسورية والأردن التي احتلت إسرائيل أراضيَ واسعة منها عام 1967.
استمرّ قطع العلاقات بشكل رسميٍّ بين البلدين ما يقارب 47 عاماً، إلا أن زيارات سرية بين الطرفين بدأت عام 2014 بهدف إعادة التعاون والعلاقات بين الطرفين، وهو ما تحقق أخيراً بزيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو لإسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وقد بادله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الزيارة في كانون الثاني/ يناير 2019، ليعلن البلدان استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بدءاً من 20 كانون الثاني/ يناير 2019.
أعاد مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي إيتنو في نيسان/ إبريل 2021 الفتور إلى العلاقات بين تشاد وإسرائيل، إلا أن الموساد الإسرائيلي -بحسب مصادر خاصة- أخذ زمام المبادرة للتعامل مع هذا الفتور لمنع العلاقة من الانهيار بين البلدين، فنظّم لقاءات عَبْر قيادات عسكرية وشخصيات أمنية واقتصادية مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد إدريس ديبي كاكا -الابن-، مما أمكن إقناعه بزيارة عاصمة إسرائيل تل أبيب بهدف تمتين العلاقات بين الطرفين، وكان من اللافت للنظر اصطحابه العديد من المسؤولين الأمنيين بمن فيهم شقيقه وذراعه اليمنى عبد الكريم إدريس ديبي في زيارة سرية في أيار/ مايو 2021.
الدوافع الإسرائيلية والمكاسب المتوقعة
رفعت إسرائيل شعار "إسرائيل تعود إلى إفريقيا.. إفريقيا تعود إلى إسرائيل" بتخطيط يهدف لبناء علاقات جديدة مع الدول الإفريقية، وتمكّنت -قبل تقارُبها مع تشاد- من التقارب مع دول عدة شرق إفريقيا ووسطها.
استهدفت إسرائيل في مساعيها -بشكل رئيسي- التقارب مع الدول ذات الأغلبية المسلمة في إفريقيا، مثل المغرب – غرب إفريقيا-، وتشاد -في الوسط- بسبب أهمية المواقع الإستراتيجية لتلك الدول، حيث تمنحها مواقعها الجغرافية بوابات رئيسية للتغلغل في العمق الإفريقي، خاصة في دول غرب إفريقيا التي انخرطت معها تشاد سابقاً في تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب -النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وموريتانيا- حيث إن هذه الدول عدا بوركينا فاسو لا ترتبط مع إسرائيل بأي علاقات دبلوماسية، كما أن الوصول إلى هذه المواقع الإستراتيجية سيمكن إسرائيل من تحقيق اختراقات دبلوماسية في سبيل بناء علاقات مستقبلية مع دول غرب القارة.
بالتأكيد فإنه لا يمكن إهمال الدوافع الاقتصادية في مساعي التقارب الإسرائيلي مع تشاد، حيث تسعى إسرائيل لفتح أسواق جديدة أمام منتجاتها، وسيشمل التعاون الاقتصادي بين البلدين مجالات التجارة والزراعة والاستفادة من التجربة الإسرائيلية في تطوير التكنولوجيا الزراعية لاستصلاح الأراضي الصحراوية.
في هذا الإطار، ستشكل صفقات السلاح والتعاون في مكافحة الإرهاب مكسباً أمنيّاً واقتصاديّاً لإسرائيل، حيث تريد إسرائيل أن تكون واحدة من موردي الأسلحة إلى تشاد التي تستورد أسلحتها ومعداتها العسكرية -في الغالب- من فرنسا والولايات المتحدة، يُضاف إلى ذلك فتح المجال الجوي التشادي للطيران الإسرائيلي لتقليل مدة الطيران من تل أبيب إلى أمريكا اللاتينية عَبْر مثلث بين السودان وليبيا وتشاد.
يظهر البُعد الأمني في مكاسب العلاقات الإسرائيلية مع تشاد بالنظر إلى قوتها العسكرية، حيث إنها تمتلك واحداً من أفضل جيوش دول وسط إفريقيا، وهو ما قد تستثمره إسرائيل عند الحاجة، فقد أكدت معلومات متواترة أن القيادة التشادية السابقة والحالية -إدريس ديبي الأب والابن- أرسلت عناصر عسكرية من قواتها كمرتزقة يحاربون خارج حدودها، كما هو الحال في مالي عام 2021- 2023 بطلب فرنسي، وفي ليبيا دعماً للجنرال خليفة حفتر، وفي اليمن دعماً لعمليات الإمارات والسعودية عام 2015 ضد ميليشيات الحوثي؛ ومن ثَمّ فإن إسرائيل قد تطلب عناصر من الجيش التشادي أو المرتزقة الموالين للحكومة التشادية لتنفيذ عمليات خاصة لصالحها كالسيطرة على منطقةٍ مَا، كالجنوب الليبي الغني بالنفط الذي قاتلت فيه القوات التشادية ضدّ جماعات متمردة سابقاً.
الدوافع التشادية والمكاسب المحتملة!
يُعتبَر الدعم العسكري الإسرائيلي المقدَّم منها للحكومات التشادية المتعاقبة دافعاً لتحسين العلاقة مع إسرائيل، فقد كان الهدف الأساسي لبداية علاقات تشاد مع إسرائيل في عهد الرئيس "فرانسوا تومبلاي" الحصول على دعم إسرائيل العسكري ضد الثوار التشاديين شمال البلاد ووسطها.
وبالرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية أوائل السبعينيات، فقد تواصل تدريب الخبراء الإسرائيليين للجيش التشادي، كما استمرت صفقات إسرائيل لتوريد الأسلحة لتشاد كصواريخ مضادة للدبابات ومختلف أنواع الرشاشات بشكل غير معلَن، إلى جانب إمداد البلاد بخبرات عسكرية وأمنية لمواجهة تحديات الإرهاب في محيط بحيرة تشاد، ومواجهة الجماعات المسلحة التي نشطت قرب الجنوب الليبي في عهد القذافي، حيث كانت سعت -وما تزال- للإطاحة بنظام إدريس ديبي الأب والابن.
في هذا الإطار، تشكل تعقيدات الوضع في إفريقيا الوسطى وانتشار القوات الروسية فيها دافعاً جديداً للنظام التشادي لإيجاد حليف قوي عسكريّاً وتكنولوجيّاً ودوليّاً، ليكون داعماً له وسط تعقيدات الحسابات الإقليمية والدولية في إفريقيا؛ علماً أن النظام التشادي ينسّق مع الإمارات في بنائها لمعسكر يتقارب مع إسرائيل، وهو ما تجلى بعودة التطبيع بين النظام التشادي وإسرائيل مطلع 2019 في مسار تشكيل تحالُف إسلاميٍّ دوليٍّ واسع تكون إسرائيل جزءاً أساسيّاً فيه.
إلى جانب هذه الدوافع يحمل البُعد الاقتصادي أهمية خاصة لدى تشاد، حيث تعاني من مشكلة التصحر وتناقُص الرقعة الزراعية، وهي بحاجة لإسرائيل التي تمتلك حلولاً تقنية وعمليّة في معالجة المشاكل الطبيعية كالتصحر.
ستحقق الأعمال التجارية والاقتصادية للشركات الإسرائيلية موارد مالية مهمة لرئيس المجلس العسكري التشادي، سواء في مجالات التنقيب عن النفط والغاز أو شركات التنقيب عن اليورانيوم شمال تشاد.
من المرجّح أن تشاد تريد الاستفادة من إمكانات إسرائيل على تزويد جيشها بالمعدّات والأسلحة الحديثة، خاصة وسط الحرب التي يخوضها على عدة جبهات داخلية، إلى جانب إمكانية امتلاك التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الزراعة والطاقة الشمسية.