إصلاح العلاقة المتصدِّعة بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة

  • الرئيسية
  • إصلاح العلاقة المتصدِّعة بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة
Cass Banener Image
إصلاح العلاقة المتصدِّعة بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة

إصلاح العلاقة المتصدِّعة بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة

هناك مصالح كبرى للولايات المتحدة الأمريكية مع دولة جنوب إفريقيا في مقابل حاجة مستمرة لجنوب إفريقيا للموقف الإيجابي من إدارة ترامب، إلا أن العلاقة بين البلدين لا تسير بهذا الاتجاه، حيث يوضح ريان كامينغز Ryan Cummings أسباب ما يُفسد العلاقات الجنوب إفريقية مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخاصة مع إدارة ترامب. بدوره ينشر مركز دراسات الأمن الإفريقي ترجمة المقال إلى اللغة العربية عن مصدره الأساسي وهو     مركز الدراسات العالمية والإستراتيجية CSIS.  

نص الترجمة  

لطالما ناقشنا فكرة تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، وقلنا مراراً إنها نتاج لتراكُم أخطاء في السياسات من جانب حكومة جنوب إفريقيا، حيث اتخذت قرارات تُعَدّ غير متوافِقة -لا بل مهدِّدة- لإدارة ترامب المتشددة.  

تكمن الأخطار حالياً في احتمال انقطاع النيات الحسنة الدبلوماسية بين الطرفين، وتضرُّر التبادل التجاري الذي يُقدَّر بنحو 20 مليار دولار، فضلاً عن تهديد الالتزامات المالية الحيوية التي تدعم أجندة جنوب إفريقيا الاقتصادية الأشمل، وعند هذه المرحلة يُطرَح السؤال الجوهري التالي:  

هل وصلت العلاقات بين واشنطن وبريتوريا Pretoria (عاصمة جنوب إفريقيا) إلى نقطة اللاعودة؟ أو أن هناك أدوات سياسية يمكن أن تستخدمها جنوب إفريقيا لتهدئة الموقف مع الإدارة الأمريكية دون المساس بسيادتها؟  

تحت المجهر  

إنَّ تولّي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة سلّط الضوء فيما يتصل بالبُعد الجيوسياسي مباشرةً على حكومة جنوب إفريقيا والسياسات التي تُوجِّه تحرُّكاتها الداخلية والخارجية، وفي هذا السياق وجدت إدارة ترامب أن بعض أوجُه السياسات المحلية والخارجية لجنوب إفريقيا تتسم بالتناقض والتمييز، وتتنافى مع ما تدّعيه الدولة من حياد جيوسياسي، وعلى الرغم من تعدُّد النقاط المُثارة إلا أن 3 قضايا رئيسية استحوذت على اهتمام واشنطن:  

1.الهجمات على المزارع، والتصور السائد بأن الحكومة الجنوب إفريقية تتغاضى عن العنف ضدّ المزارعين البيض.  

2.سياسة التمكين الاقتصادي الواسع النطاق للسود وإجراءات التمييز الإيجابي (في جنوب إفريقيا، يضمن التمييز الإيجابي حصول الفئات المؤهَّلة والمحددة من السود والنساء وذوي الإعاقة على فرص عمل متساوية، كما يجب تمثيلهم بالتساوي في جميع فئات الوظائف ومستويات العمل)، وما يترتب على ذلك من آثار على مناخ الأعمال والتجارة.  

3.الاصطفاف الجيوسياسي والاعتقاد بأن جنوب إفريقيا تميل إلى حلفاء دوليين يُنظر إليهم على أنهم تهديد للأمن القومي الأمريكي أو لهيمنة الولايات المتحدة العالمية.  

ورغم الجدل والانقسام الذي تثيره هذه السياسات، فإنها تُمثّل في الوقت ذاته فرصة أمام جنوب إفريقيا لإظهار حَوْكَمة تعتمد نهجاً وقائياً وتفاعُلياً تتماشى مع روح العصر السياسية العالمية، التي باتت تُعلي من الواقعية السياسية على حساب المثالية.  

الهجمات على المَزارع  

أصبحت قضية مقتل المزارعين من أكثر الموضوعات المثيرة للانقسام في الخطاب الأمني الوطني بجنوب إفريقيا، حيث ترى منظمات مدنية مثل المنتدى الإفريقي ومنظمة تكافُل أن هذه الجرائم أكثر انتشاراً مما تُظهره بيانات جهاز الشرطة "SAPS"، ويعتقدون أن الدافع العِرْقي له دوره إلى جانب دافع سرقة المال، بينما تُصِرّ الحكومة الجنوب إفريقية على أن هذه الجرائم جزء من ظاهرة العنف الجنائي الواسع في البلاد، ولا تحمل بُعداً إثنياً أو سياسياً في التخطيط والتنفيذ.  

اللافت أن إدارة ترامب كانت تميل إلى تبنّي الرواية التي تطرحها المنظمات المدنية التي يديرها الأفريكان (مصطلح الأفريكان يشير إلى البيض من سكان جنوب إفريقيا المتحدثين باللغة الأفريكانية، وهي لغة مشتقة أساساً من الهولندية) أكثر من الرواية الرسمية للحكومة. ورغم أن الإحصائيات الصادرة عن جهاز الشرطة وعدد من المؤسسات المستقلة تدعم موقف الحكومة، فإن هذه القضية تظل مؤثرة في مسار العلاقات الثنائية، وقد ذهبت إدارة ترامب إلى حدّ منح بعض أفراد الجالية الأفريكانية، ممن قالوا إنهم مستهدَفون، فرصة التقدم بطلبات لجوء وتسريع إجراءات التجنيس في الولايات المتحدة.  

يمكن اعتبار معالجة ملفّ الهجمات على المزارع بمثابة "هدف سهل يمكن تحقيقه بسلاسة" لإعادة بناء الثقة مع واشنطن وتحسين الوضع الأمني الداخلي في آنٍ واحدٍ، وقد يتجسَّد ذلك من خلال سدّ العجز في الموارد الأمنية بالمناطق الريفية، وإشراك جميع الأطراف المعنية في الحوار، بما يشمل مُلّاك المزارع، والعمال الزراعيين، والقيادات التقليدية والمجتمعية، وذلك لكسر الانطباع السائد بغياب الدولة أو حتى تورُّطها الضِّمْني.  

التمييز الإيجابي  

في الجانب الاقتصادي كانت سياسات التمكين الاقتصادي للسود والتمييز الإيجابي مثار جدل مماثل، فقد سَعَت الحكومة إلى تصحيح الإرث الاقتصادي غير العادل الذي خلّفه نظام الفصل العنصري، من خلال خلق بيئة أكثر شمولية وعدلاً على مستوى تمثيل الفئات العِرْقية، ولكن معارضي هذه السياسات يرون فيها تمييزاً معكوساً ومعوِّقاً لمناخ الاستثمار والأعمال.  

وللردّ على هذه الادّعاءات، يتعيَّن على جنوب إفريقيا أن تُقدّم رواية أكثر إقناعاً، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تسليط الضوء على تجربة أكثر من 600 شركة أمريكية تنشط داخل البلاد، والتي يمكنها أن تقدم رواية موضوعية وشفّافة عن واقع بيئة العمل والفرص والتحديات، وينبغي تفعيل الحوار بين مجلس الأعمال الأمريكي الجنوب إفريقي والغرف التجارية في البلدين لتعميق العلاقات التجارية الثنائية، واستكشاف آفاق التكامل التجاري.  

ومن المهم كذلك التأكيد على الطابع التبادُلي المفيد للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، والتنبيه إلى أن تدهور هذه العلاقات لن يضر بجنوب إفريقيا فحَسْبُ، بل سيؤثر سلباً على شركات أمريكية كبيرة، خاصةً في قطاعات السيارات والتكنولوجيا والخدمات المالية والرعاية الصحية والطاقة، ومن شأن تعزيز التعاون التجاري الخاص بين الطرفين أن يُشكِّل دليلاً عملياً على أن جنوب إفريقيا ليست سوقاً خَطِرةً، بل هي بيئة مليئة بالفرص.  

شريك أمني موثوق  

إن التدهور في العلاقات بين جنوب إفريقيا وواشنطن لا يُعَدّ وليد ولاية ترامب الثانية، بل هو نتيجة لتوجُّهٍ في السياسة الخارجية يتناقض مع الحياد الجيوسياسي الذي تُعلنه البلاد، والذي يُهدد في كثير من الحالات الأمنَ المحلي والدولي للولايات المتحدة، ومع ذلك يُمثل هذا الموضوع فرصةً لتوطيد التعاون بدلاً من تعميق القطيعة.  

رغم تراجُع الحضور العسكري والسياسي الأمريكي في إفريقيا، ما تزال واشنطن تبحث عن شركاء إستراتيجيين لحماية مصالحها، ويمكن لجنوب إفريقيا البناء على شراكات أمنية ودفاعية قائمة، مثل اللجنة الدفاعية الأمريكية الجنوب إفريقية، للانخراط في تعاوُن إقليمي أكبر.  

أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو موزمبيق، حيث تموّل مؤسسة Export-Import Bank الأمريكية مشاريع الغاز المُسال في إقليم كابو ديلغادو "Cabo Delgado" الذي يعاني من اندلاع التمرد المسلح فيه، كما تستثمر شركات أمريكية كبرى هناك، ومن الممكن أن تتعاون جنوب إفريقيا والولايات المتحدة، بموافقة موزمبيق، لتأمين هذه المشاريع من الهجمات الإرهابية.  

كما يمكن تكرار هذا النموذج في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث عرضت حكومة فيليكس تشيسيكيدي "Felix Tshisekedi" حقوقاً حصرية لاستغلال الثروات المعدنية للإدارة الأمريكية مقابل دعم عسكري ضدّ تمرد حركة " Mars23" المدعومة من رواندا، وفي حال إتمام مثل هذا الاتفاق، يمكن لقوات الدفاع الجنوب إفريقية أن يكون لها دور الشريك الموثوق، مما يسهم في استقرار المنطقة وفتح المجال أمام استثمارات مستدامة، لا سيما إذا تم ربط هذا التعاون باتفاقيات نقل المعادن عَبْر المَمرّ الجنوبي نحو الموانئ الجنوب إفريقية.  

خاتمة: الواقعية لا التحدي  

إن إصلاح العلاقات بين البلدين يتطلَّب الاعتراف بحقيقة غير مريحة، مفادها أن جنوب إفريقيا بحاجة إلى الولايات المتحدة أكثر مما تحتاج الأخيرة إليها، وبينما يجب على بريتوريا أن تحافظ على سيادتها، فإنها مطالَبة أيضاً باتباع نهج دبلوماسي تصحيحي بدلاً من المواجَهة المباشِرة.  

عَبْر تصحيح المفاهيم، وتعزيز نقاط القوة الاقتصادية، وتقديم عروض حقيقية للتعاون الأمني، تستطيع جنوب إفريقيا ترميم الجسور دون أن تتخلى عن مبادئها، أما البديل وهو استمرار القطيعة فلن يخدم مصالح أحد، وبالأخص جنوب إفريقيا.  

 

المصدر:  مركز الدراسات العالمية والإستراتيجية CSIS  

ترجمة:عبدالحميد فحام

 



مواد ذات صلة
تلاشي وهم الأمن الروسي في إفريقيا
خطر انهيار نظام الأسد في سوريا على الإستراتيجية الروسية في إفريقيا